تتّسع الفجوة بين واقع الأفراد وبين آراء وفتاوى علماء الدين، وهذا يهدّد الأسر ويساهم بنسبة كبيرة في ارتفاع حالات الانفصال والطلاق. ومن أهمّ العوامل المسبّبة لهذه الأوضاع عدم وجود توزان في الخطاب الموجّه للرجل والمرأة، وتحديدًا في ما يخصّ واجبات وحقوق كلّ منهما.
فيسود خطاب أنّ واجبات المرأة ملزمة لها تمامًا، وتعرّض نفسها لذنب كبير وإثم إن لم تقم بها، وفي المقابل يسود خطاب أنّ واجبات الرجل من باب الفضل والتفضّل، وبالتالي فهي غير ملزمة له، ومن يتقاعس عنها لا يتعرّض لأيّ عقاب، وليس عليه إثم كالمرأة!!
وهذا يعارض التعاليم الواردة في الخطاب الإلهي القرآني، الذي يؤكّد أنّ الجميع متساوٍ في الحقوق والواجبات، بل من يصل إلى سنّ الرشد وقبله البلوغ يصير ملزمًا بواجبات وفروض عليه تأديتها، ويحاسب على إهمالها. وفي هذا تدريب للأطفال بمجرّد بلوغهم القدرة الجسدية والنفسية على تحمّل مسؤوليّات تتناسب ومراحلهم العمريّة، فيعتاد الطفل منذ الصغر على تحمّل مسؤولية أفعاله وتعاملاته مع الآخرين، بدءًا من الأقرب إليه كأبيه وأمّه وأخوته، إلى الأقارب والجيران والأصدقاء. ويتدرّج تحمّله للمسؤولية كلما زادت سنوات عمره، فيكون عليه كسب رزقه، والتفرقة بين الحلال والحرام، وكيفية الإنفاق والحفاظ على النعم التي أنعم الله به عليها.
وهذا مثال لكيفيّة تربية الأبناء، وتعليمهم أنّ الرجل والمرأة متساويان على مستوى التكليفات الشرعية، وعلى مستوى الحياة وتشاركها معًا، فهما متكاملان، ولا فضل لأيّ منهما على الآخر، ولو فضّل الله أحدهما على الآخر، فذلك بالعمل والالتزام بالواجبات التي أقرها الله له.
ولسدّ هذه الفجوة يجب على القائمين والمقدّمين للخطاب البشريّ متمثلًا في الفقه والفتاوى العودة إلى الخطاب الإلهي القرآني في ما يتعلق بالرجال والنساء، لئلا يشعر أيّ منهما بالظلم أو القهر أو التمييز. يجب التأكيد على حقّ الرجل في معرفة واجباته وأدواره، يجب التخلّي عن فكرة أنّ واجباته من باب الفضل، والتأكيد على أنّها من باب الإلزام والالتزام بتعاليم الدين الحنيف، لأنّ هذه المغالطة تؤدّي إلى استمراره في الأفعال الآثمة والمعصية لأوامر الله ونواهيه، والتقاعس عمّا فرضه عليه، وهو يظنّ مطمئنًّا أن ليس عليه إثم، لأنّه غير ملزم بهذه الأدوار والواجبات.
وينتج عن هذا النقص في المعرفة أن يمارس الزوج أنواعًا من العنف اللفظي والمعنوي والمادي، أو عدم الإنفاق، معتقدًا أنّ هذه من حقوقه، لأنّه الرجل ولأنّ له حقّ “القوامة”، ذلك المفهوم القرآني الذي ساد فهمه بشكل مخالف تمامًا لما أقرّه الله من مسؤوليات وواجبات، ودرجة يكتسبها الرجل بعمل وبجهد، وليس بعنف وتحكّم، ولا تولد معه فقط لأنّه “ذكر”.
وأيضًا إساءة استغلال بعض الرخص التي منحها الله له كتعدّد الزوجات، فيستبيح الزواج والطلاق دون حساب مستغلًّا هذه الرخصة، متجاهلًا أوامر الله بضرورة تحقيق العدل. وفي كثير من الحالات يرفض طلاق الزوجة الأولى إن لم توافق على هذا الوضع، ويفرض عليها تقبّل ما لا ترضاه، وفي هذا مخالفة لشريعة الله السمحة وللرباط المقدّس والميثاق الغليظ بينهما، القائم على المودّة والرحمة، وليس على الجبر والإيذاء المعنويّ والمادّي.
فالأصل في الحياة الزوجية “المودّة والرحمة”، ثمّ “الحقوق والواجبات”، لأنّ رصيد المودّة والرحمة هو الذي يجعل أحد الطرفين يتحمّل الآخر، ويقوم عنه بجزء من واجباته، وربما واجباته كلّها، ما دامت المودّة قائمة بينهما. ويسوء الأمر عندما يشعر أحد الطرفين بعدم تقدير الطرف الآخر له، وبالأنانية، والاستغلال، فتختفي المودّة شيئًا فشيئًا، ويحلّ محلّها الضيق والهمّ والشعور بالظلم والقهر. فالتوازن بين الواجبات والحقوق، والمعاملة بالمعروف مطلب مهمّ وأساسيّ، للحفاظ على رصيد المودّة والرحمة، ونموّه وزيادته، وهو بدوره رصيد لتحمّل التقصير في أداء الواجبات، وتحمّل كلّ طرف الآخر.
وأخيرًا…
يجب التنبيه على نهايات الآيات التي تتعرّض للعلاقة بين الرجل والمرأة كزوجين، والتي تؤكّد على خطورة التعدّي على “حدود الله” وقد وردت اثنتي عشرة مرّة في القرآن الكريم، منها سبع حالات تخصّ الرجل والمرأة، لذا من حقّ الرجال معرفة عواقب إغفال وتعدّي حدود الله عند ظلم الزوجة.
…..
حقالرجل في_المعرفة
حقوق_الرجل
وعاشروهن_بالمعروف
المعروف منهج حياة
عبيرسليمان