التسامح حلو ، لكن من كل الأطراف، وإلا سيتحول إلى ظلم واستبداد من طرف، وقهر وكبت واكتئاب لطرف آخر بقلم الكاتبة . عبير عيد سليمان

ياريت لما نحكم بين طرفين نكون عادلين
لما بتحصل مشكلة أو خلاف، غالبًا بيكون في طرف متزمت، عصبي، مش بيعدي أي مواقف، كثير الشكوى على أبسط الحاجات، كلامه جامد، دايمًا عنده مبرر للغلط، إما لتعب أو مرض أو ضيق لأي سبب تافه، أو ظروف بيمر بيها، وممكن تكون ظروف الكل بيمر بيها. وطرف تاني بيكون عنده تسامح، أكثر هدوء، بيتحمل ويعدي كتير، قليل الشكوى، بيختار أو بيحاول يختار كلام مش جارح أو بيضايق اللي قدامه. عشان كدة لما بيحصل خلاف بيكون الطرف الثاني وصل لدرجة كبيرة من عدم الاحتمال، والضيق، وعدى مواقف كتير، واستحمل كتير، لغاية ما خرج عن سكوته واكلم واخد موقف ودخل في خلاف مع الطرف الأول.
لما بنحكم بين الطرفين بنيجي دايمًا على الطرف التاني، وبنقوله ونطلب منه اللي مش بنقدر نقوله أو نطلبه من الطرف الأول، لأنه مش بيستحمل منا كلمة، وبيتعصب، وعلى طول مضايق، ومش بيتسامح ولا ينسى بسهولة ويمكن مش بينسى أصلًا.
من الأخر بنخاف منه ونخاف نكلمه، ولو لقينا منا ولو بادرة بسيطة من الهدوء، ما بنصدق وبنفرح جدًا وكأنه عمل انجاز كبير، وهايل، ومحصلش، رغم انه لم يتراجع عن موقفه أو يعتذر عما سببه من أذى للطرف التاني.
وأحيانًا بتبقى علاقتنا به حلوة، لكن بيكون واضح لنا جدًا إنه فعلًا مؤذي لغيرنا بشكل كبير، ومع ذلك مش بنرده عن آذاه وظلمه للغير، مع إن لو بنحبه حقيقي هنقوله إن أي أذى بيترد لصاحبه وهنخاف عليه
لكن بيفضل خوفنا منه أو من خسارته أو رغبتنا في البعد عن المشاكل مسيطر على أفعالنا وحكمنا
ومن هنا يبتدي الظلم …
نروح للطرف التاني نقنعه إنه يتنازل عن حقه، ويتراجع عن زعله عشان الدنيا تمشي، ونضغط عليه بكلام كتير يحسسه بالذنب، وإنه هو الشخص السيء الشرير في القصة، وإنه لازم يحمد ربنا ويصلي ويشكره إن الطرف الأول بدأ يتنازل عن تزمته. ويتحول فجأة الطرف المجني عليه إلى جاني، ويبتدي يدافع عن نفسه، ضد اتهاماتنا وتبريراتنا المجحفة، ونستغل الجانب المتسامح عنده، ونقوله كل الكلام اللي بنخاف نقوله للطرف المؤذي.
ونبرر لنفسنا هذا الحكم والمعاملة غير العادلة، والمؤذية بأننا عايزين نهدي الدنيا ونصلح بين الطرفين
والحقيقة إننا بنزود الظلم على طرف أصلًا اتعرض للأذى والظلم، وبنضيع حقه لأننا خايفين من الطرف الأول ومش عايزين مشاكل معاه، وبدل ما نحل المشكلة الأصلية، بنساعد الطرف الأول على استبداده، وبنقهر الطرف الثاني وهو أصلًا مقهور، و بعد فترة من كثرة أنينه وكلامه عن ظلمه، بنزهق ونمل منه، ونهمله.
وفي الحالة دي إما بيتحول بدوره لشخص مؤذي من كثرة ما لاقاه من أذى، وده بيحصل في حالات قليلة، بيتحول فيها كل طاقات الغضب إلى أذى للأخرين بسبب ومن غير سبب. أو بيظل عنده احساس القهر والظلم عايش جواه لغاية ما يجيب له أمراض نفسية واكتئاب.
أو بيحاول يتعافى ويبعد عن طريق من أذاه ويتجنبه، وبدل ما نساعده يوصل للتعافي والسلام النفسي، ومع أول موقف مثلًا يرفض لقاء من أذاه لدرجة انه يفضل يكون لوحده، وبعيد عن العالم، بنيجي عليه تاني، ونحسسه إنه هيكون سبب للتفرقة أو مشكلة بإصراره على البعد، من غير تفكير في إن تفضيله للوحدة المؤلمة معناه أن اللقاء أو التجمع مع من أذاه أكثر ألمًا.
ولا نكف عن تأنيبه ولومه ولو بطريقة ناعمة، لأننا عارفين إنه أكثر حساسية وبيتأثر بمثل هذه الاتهامات، في مقابل إننا لا نوجه ولو كلمات بسيطة للطرف المؤذي.
وبالطريقة دي بنتحول لأشخاص مؤذيين بدورنا، وإحنا بنقنع نفسنا إننا بنصلح بين الطرفين، وهو مبدأ جميل ونبيل، لكن لما نطلب التنازل، يبقى لازم نطلبه من الطرفين بنفس القدر، ونكون عادلين.
الغريب إن اللي بيدعي الإصلاح بهذه الطريقة، لما بيحصل له موقف مشابه، بيحس وقتها بمقدار الظلم وازاي أن الناس فعلا بتيجي عليه لصالح الطرف المؤذي، والأغرب أنه يظل مصرًا على طريقته، رغم أنه عرف كم هي مؤلمة.
التسامح حلو ومطلوب، لكن من كل الأطراف، وإلا سيتحول إلى ظلم واستبداد من طرف، وقهر وكبت واكتئاب لطرف آخر

Loading

عبير سليمان

Learn More →