بقلم…سحر الجمال
حينما كان أعمار أولادي لم يتجاوز المرحلة الأعدادية، تصادف يوما أنني كنت أشاهد التليفزيون ، فوجدت الدكتوره نهاد أبو القمصان على احدى القنوات الفضائيه ،تلك المرأة الحقوقيه التي أحب الكثير من أفكارها ، ولم أكن اشاهد البرنامج بتركيز معها حتى شدت أذني عبارة كنت لأول مرة أسمعها ، ولعمق العبارة كان بيدي قلم رصاص فأسرعت بكتابتها على الحائط…لم اتذكر حينها سوى كلمات قليله …ولكن بحثت بعد ذلك عن أصل تلك العبارة كاملة ، لأجد أن نصها ينسب للشاعر جبران خليل جبران وهي :
أولادكم ليسوا لكم ، أولادكم أبناء الحياة المشتاقه إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ، ولكن ليس لكم ، ومع انهم يعيشون معكم ، فهم ليسوا ملكا لكم ، أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم ، ولكن لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم ، لأن لهم أفكار خاصة بهم ، وفي طاقاتكم ان تصنعوا المساكن لأجسادهم ، ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم ، فهي تقطن في مساكن الغير، الذي لا تستطيعون ان تزوروه حتى ولا في احلامكم . وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم، ولكنكم عبثا تحاولون أن تجعلوهم مثلكم ، لكن الحياة لا ترجع إلى الوراء ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حيه، قد رمت بها الحياة من أقواسكم ، فإن رامي السهام ينظر للعلامة المنصوبة على طريق اللانهايه – فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة المدى ، لذلك فليكن الواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة لأنه ، كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه…
ما أعظمها من كلمات …إنها منهاج ودستور لحياة أولادنا وطريقة تربيتنا لهم
إن أكبر خطأ في التربية أن نحاول تحقيق أحلامنا عبر أولادنا…الصواب هو أن نحاول اكتشاف أحلامهم ونساعدهم على تحقيقها ، فأولادنا هم أمتداد لذاتنا …فالنزرع فيهم الحب لنحصده حبا وبرا…
ولا نفرض على أولادنا آرائنا فأنهم خلقوا لزمان غير زماننا
فهناك أيضا مقولة تنسب أحيانا لسقراط وأحيانا أخرى الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه ..وأحيانا اخرى لأفلاطون
ألا وهي :
لا تكرهوا أولادكم على آثاركم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم
أو بعبارة أخرةى لا تربوا اولادكم كما رباكم أباؤكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم
وهنا نفهم أن الفضائل غير الواجبه لا نكره عليها اولادنا ويجب ان نأخذ بعين الأعتبار تغير الوقت والزمان ،فهو وجه لعدم إجبار أولادنا واإكراههم على الآداب التي كانوا ملتزمون بها، وذلك لصعوبة الألتزام بها لتغيرات تطرأ على المجتمع
اما الاخلاق الواجبه فنلزم بها أولادنا قدر المستطاع ولا يؤثر في وجودها تغير الزمان
وهنا يجب العروج على توضيح شئ هام إلا وهو أن الآداب غير الأخلاق ، الآداب هي الأفعال التي يلتزم بها ضمن مجموعه من البشر، بينما الأخلاق هي صفات نفيسه يتحلى بها جيل بعد جيل ، مثل الجود والكرم…بخلاف آداب القيام احتراما للقادم مثلا فهي تتغير من زمان إلى آخر
اما عن صراعات الأجيال فليست بالجديده علينا ، وكلنا نمر بها في محيط الأسرة والأقارب وحتى في العمل ، فأنا مثلا تعرضت لذلك من زملائي الأكبر سنا عندما تم تعييني وكنت في مرحلة الشباب
ونجد الاصوات والمشكلات تزداد في الأسرة بأن يقول الأباء لأبنائهم انت لا تعرف مصلحتك ، انت لسه صغير لازم تسمع كلامي
هذا لا ينفي أن أولادنا يحتاجون خبراتنا ….يحتاجون خبره وليس معرفه ، ولكن الأباء يريدون أن يظل أولادهم قابعين في خبراتهم وبيوتهم ، إذن فكيف يستمد أولادنا الخبره ، وهنا يصاب الشباب بالحيره ويضيع الشباب عند الخروج للشارع والعمل
يجب على الأباء تشجيع أبنائهم على استكشاف العالم بدلا من البقاء داخل قوقعتهم ، ويسمحوا لهم بارتكاب الأخطاء وأن يتوقفوا عن توجيه الأنتقادات لهم ، حتى لا يخاف أولادنا منا عند وقوع الخطأ ، وتنشأ من هنا الفجوة بين الأباء والأبناء ، ويضطر أولادنا الى البحث عن المشورة من أشخاص آخرين ، يجب أن نربي أبنائنا على أن يكونوا موضع ثقه ، وأن نعلم أولادنا الود والحب والأعتماد على أنفسهم من الصغر
هذا ما يجب على الأباء تجاه أولادهم ، فماذا على أولادنا تجاهنا ،يجب عليهم التعاطف وأن يضعوا انفسهم مكان ابائهم ، وقتها سوف يفهمون الكثير ، سوف تفهمون قلقهم عليكم
وعلى اي حال ليس النضج والبلوغ بالأمر الهين ، وليس من السهل أيضا أن نكون أباء
كتبت : سحر الجمال