الرحلة الملكية ( وقائع زيارة الملك فؤاد الأول لقري الفيوم سنة ١٩٢٧ )

كتب / مصطفي حسنين المنصوري 

اليوم الأول للزيارة الملكيه

في يوم الأحد ٨ مايو سنة ١٩٢٧ الساعة ٧ أفرنكي صباحا تحرك الركاب الملكي العالي من قصر عابدين العامر في رتل من السيارات ميمما مديرية الفيوم عن طريق جرزة ( قرية قديمه تقع في العياط بالجيزة ) تحفة الرعاية الربانية ؛ وقد كان أهالي المديرية منذ لاح عليهم فجر هذه اليوم السعيد مصطفين في الطرقات منتظرين شروق شمس جلالته ؛ فما كادت سيارته تصل حدود المديرية عند جرزة حتى قابله عرب الفيوم بخيولهم المطهمة وسيوفهم المذهبة ؛ وأدوا لجلالته واجب التحية ؛ وكان خلفهم نساؤهم في خيوشهم يزغردن علي حسب عادتهم البدوية ؛ فتجلي في هذا المظهر إخلاص العرب لمليكهم المفدى وتعلقهم بعرشه المصون .

وما كاد جلالته يخترق ارض الإقليم حتى وجد مدير الإقليم في انتظاره فسار بسيارته في المقدمة للإرشاد علي الطريق ؛ وكانت الطرقات غاصة بالأهالي الذين تملكتهم نشوة الفرح من رؤية مليكهم في وسط بلادهم .فكانوا يهتفون بحياته وحياة ولي عهده المحبوب بنبرات تدل علي شديد تأثرهم وعظيم فرحهم ؛ وكانت النساء من فوق أسطح المنازل يزغردن ؛ وينثرن الورد والزهور في طريقه ؛ وكان كلما مر ركابه بنقطه تعالي منها الهتاف والتصفيق ؛ استمر سائرا بين هذه الجماهير الزاخرة حتى وصل إلي مدينه الفيوم حيث كانت الساعة العاشرة صباحا ؛ فأطلقت المدافع إيذانا بتشريف جلالته ؛ وعلت أصوات الهتاف والتصفيق ؛ وصدحت الموسيقات والطبول واختلط هتاف الرجال بزغردة النساء وكان قد حضر قبل وصول جلالته للفيوم عن طريق السكة الحديد وزارء الدولة جميعا لاستقباله عند تشريفه عاصمة الإقليم .

وصل ركب جلالته الميمون للكُشك الملكي حيث كانت الساعة حيث كانت الساعة ١٠ ص وبعد أن استراح قليلا نزل إلي صيوان التشريفات الذي إقليم بجوار الكشك ؛ وبعد التشريفات تناول جلالته طعام الغذاء مع نحو ٣٠٠ من أعيان وأهالي وموظفي الإقليم ؛ وكان قد تفضل بدعوتهم لتناول الغذاء معه علي مائدة أعدها علي نفقته ؛ وبعد الاستراحة قليلا بكشكه الملكي تحرك ركابه الميمون ميما العزب لافتتاح توليد الكهرباء وتوريد المياه من هدارات العزب ؛ وكان الطريق محفوفا علي الجانبين بالزينات الفاخرة التي أقامها الأهالي من تلقاء أنفسهم مدفوعين بعوامل الإخلاص لميلكهم المحبوب ؛ وبعد أن طاف جلالته بمبني المشروع وشاهد مولدات الكهرباء شرف الصيوان ويمعيته عبد الخالق ثروت باشا ( رئيس الوزراء ) وعلي باشا الشمسي وزير المعارف وعثمان باشا محرم وزير الأشغال وبعد تناول الشاي قام نجيب بك عريان أحد أعضاء المجلس البلدي وألقي كلمه شرح فيها الأدوار التي مر بها المشروع والصعوبات في سبيل تنفيذه لإنارة بندر الفيوم .

واتبعه الدكتور رشيد بك عبدالله من أعضاء البلدية فرحب بجلالة الملك وشكره علي تنازله بالحضور لافتتاح المشروع ؛ وتلاه محمد أفندي محمود احد رؤساء أقلام مديرية الفيوم فألقي منظومة طويلة ( قصيدة شعر )

ثم تلاه احمد أفندي والي الجندي عمدة قلمشاة وألقي كلمة منها ( مولاي أنت البدر لأنك بددت ظلم الجهاله وكشف حجب الضلالة وسلكت في حكمك الحجة البيضاء وأنت الغيث لأنك غمرت باللائك الفياضة سواد رعيتك وأحييت موات قلوبها فانبتت الإخلاص الصادق والولاء الوثيق لعرشك المحبوب ؛ وأنت الشمس ؛ لأنك يامولاي مصدر الحياة الربانية في الوطنية في المعارف في الصناعة في الزراعة في القضاء في كل مرافق الحياة في عصرك السعيد )

ثم قام بعده هاشم أفندي عبدالحي وكيل جريده البلاغ بالفيوم وألقي قصيده

ثم أعقبه أحد مشايخ العرب فألقي كلمه باللغة البدوية نالت إعجاب جلالته
وعاد جلالته حوالي الساعة ٧ م إلي الكشك الملكي مارا بشوارع الفيوم التي أنيرت بآلاف المصابيح الكهربية كما أنيرت أقواس النصر البديعة التي مر بها في طريقه ؛ فكانت أنوار الفيوم تري علي بعد بضعة كيلو مترات
وبعد تناول العشاء بكشكه الملكي شاهد من شرفة كشكه الألعاب النارية التي أقيمت خصيصا لهذا الغرض
وباتت البلدة في فرح وحبور حتى مطلع الفجر ؛ وكانت المدينة ملئي بالوافدين إليها من الأقاليم الأخرى ؛ فكانت جميع فنادق المدينة غاصة بالوافدين ؛ وكانت منازل الأعيان مكتظة بالمعارف والأغراب وقد أقام كثير منهم مآدب فخمه لزائريهم نخص منها بالذكر المأدبة التي أقامها حسن بك شرابي ( عمدة الفيوم ) للوزراء والوليمة التي أعدها لهم أيضا نجيب بك عريان عضو البلدية ؛ هذا عدا المآدب المتفرقة التي أقامها الأعيان لمعارفهم وأصدقائهم ؛ فكنت أينما ذهبت وجدت حبورا وأنسا وطرباً

زيارة المعاهد العلمية والصحية

في يوم الاثنين ٩ مايو سنة ١٩٢٧ الساعة التاسعة صباحا تحرك الركاب الملكي من الكشك الملكي ميمما المعاهد العلمية والصحية في البندر فكان أول ما تشرف بهذه الزيارة مستشفي الرمد ( لازالت في مكانها القديم ) ؛ التابع لمصلحه الصحة وهذه المستشفي بني في ١٩١٧ علي نفقة مجلس المديرية علي احدث طراز ؛ وقام بخدمات جليلة الإقليم منذ إنشائه ؛ وبه الآن طبيبان و١٢ سرير المرضي ؛ ويقوم بمعالجة ما لا يقل عن ١٠٠ شخص يوميا ؛ وقد تفقد جلالته جميع الغرف واثني علي طبيبه الأول دكتور باسيلي جرجس ( وافد من القاهرة ومشهور في طب العيون )

لما شاهده في المستشفي من العناية الفائقة بالمرضي ؛ وقد تفضل جلالته بصرف ١٥ ج من ماليته الخاصة لمشتري أشياء ؛ لإدخال السرور علي المرضي والخدم .

ثم زار المستشفي الأميري ؛ وبعده تفقد غرف العمليات ومنامات المرضي ؛ سُر كثيرا من نظامه ؛ واثني علي طبيبه الأول الدكتور يوسف صديق رأفت ؛ وهذا المستشفي بني علي نفقة الحكومة سنة ١٩١٢ وبه طبيبان و٨٢ سرير وقد تفضل جلالته بصرف ٣٠ ج من ماليته الخاصة لمشتري أشياء تعطي للمرضي والخدم لإدخال السرور عليهم ؛ وكان في معية جلالته أثناء زيارة هذين المستشفيين محمد باشا شاهين وكيل وزارة الداخلية للڜئون الصحية .

ثم زار بعد ذلك مدرسة المعلمين الاوليه ؛ وكان في معيته وزير المعارف وكان في استقباله الشيخ عبد العزيز بك جاويش ؛ مراقب التعليم الأولي بوزارة المعارف .

وبعد أن تفقد جلالته الفصول اثني علي ناظر المدرسة حسن بك أفندي الجنايني ؛ لما رآه من تقدم المدرسة ونجابة التلاميذ ؛ وقد ألقي أحد الطلبة بين يديه عند تشريفه المدرسة كلمة الترحيب .
وقد تعطف جلالته ومنح المدرسة ١١٥ ج لتوزيعها علي طلبتها البالغ عددهم ٢٠٠ طالب .
ثم زار بعد ذلك المدرسة الأميرية الابتدائية ؛ وفي معيته رئيس الوزراء ووزير المعارف ووزير الأشغال ؛ وكان في استقباله بالمدرسة محمد بك عوض إبراهيم مراقب التعليم الابتدائي وبعد تفقد الفصول اثني علي ناظرها علي أفندي عزت الأنصاري ؛ لنشاطه وارتقاء المدرسة علي يديه ؛ وألقي أحد التلاميذ كلمة الترحيب .

ثم تفقد المدرسة الثانوية الاميريه وبعد أن شاهد فرقة الألعاب الرياضية وفرقه الكشافة القي أحد التلاميذ كلمه الترحيب وقد برح جلالته المدرسة بعد أن اثني علي ناظرها الأستاذ عبد الحميد أفندي نجاتي ميمما مدرسة البنات المحمدية الابتدائية ؛ فما كاد يلج باب المدرسة حتى صدح السلام الملكي وقعته أحدي التلميذات علي البيانو وتقدمت إليه تلميذه أخري والقت بين يديه كلمة الترحيب .

وبعد تفقد الفصول زار مكان التدبير المنزلي ؛ وتناول من الأطعمة التي كانت قد أعدتها التلميذات مظهرا ارتياحه وابتهاجه من رقي المدرسة ؛ ثم زار مشغل المدرسة وبعد معاينته المشغولات اليدوية تقدمت إليه أحدي التلميذات واهدت إليه نيابه عن زملائها إطارا يتضمن رسم هدير العزب علي الأطلس المشغول بالحرير بالعبارة الاتيه :
العلم أصبح في ازدياد والعدل وطد في البلاد
والنيل يدعو ربه يحيا مدي الدنيا فؤاد
فقبلها جلالته مبديا إعجابه وسروره ؛ ثم بارح المدرسة بعد أن اثني علي ناظرة المدرسة الآنسة نعمت الله محمد زكي .
ثم زار بعد ذلك جمعية الإسعاف التي تكونت قبل تشريفه ببضع أيام ؛ وكان في استقباله أعضاء مجلس الإدارة المؤقتين ؛ الدكتور محمود بك ربيع ومحمد أفندي صبري البكباشي عضو البلدية ومحمد أفندي حمد الباسل والدكتور يوسف صديق رأفت طبيب أول المستشفي الأميري والدكتور أسكران وحسن شرابي
وقد ألقي الدكتور بيع بك بين يدي جلالته كلمه جاء فيها
( مولاي صاحب الجلالة ؛ يتشرف عبدكم الخاضع الامين أن يتقدم لسدتكم العلية بالاصاله عن نفسي وبالنيابه عن إخواني أعضاء جميعه الإسعاف بالفيوم بفروض الشكر لتفضلكم بافتتاح هذه الجمعية المباركة )
وقد جادت المكارم المليكه بمبلغ ٢٠٠ ج مساعده للجمعية ؛ وبعد زيارتها زار مستوصف الأطفال التابع لمجلس المديرية ؛ وشاهد مئات المرضي الذين يعالجون يوميا ؛ وثني علي همة الدكتور محمود فهمي إسماعيل .

وزار بعد ذلك مدرسة الدايات التابعة لمجلس المديرية أيضا ؛ ل معاينة الأعمال الجارية اثني علي طبيبة المدرسة الانسه وسيله حسين .

ثم زار بعد ذلك مدرسة الراهبات للبنات ؛ وبعد أن طاف بفصولها متفقدا حالة التعليم بها ؛ بارحها قاصدا المدرسة الايطالية الابتدائية للبنين بعد أن منحها ٨٠ ج أعانه ؛ وبعد تفقد حالة التعليم بهذه المدرسة برحها بعد أن أعانها بمبلغ ٥٠ ج ثم زار مدرسة الأمريكان للبنات وفصول الدراسة بها ثم اثني علي مدير المدرسة مستر ( جالوي ) وتبرع ب٥٠ ج

ثم زار مدرسه الصنائع وكان في انتظاره كاتب هذه الرسالة ( مؤلف الكتاب ) وأعضاء مجلس المديرية وقد استقبلته موسيقي المدرسة بالسلام الملكي ؛ ثم طاف بجميع الورش ؛ وكان يدقق في فحص المصنوعات ؛ ويبدي ملاحظاته عليها ؛ وقد ابدي سروره من تقدم القسم الميكانيكي ؛ وعندما زار ورشة الجلود قدم له مدير المديرية بصفته رئيسا لمجلس المديرية حقيبة كبيرة من الجلد الجيد من صناعة المدرسة تحمل اسم جلالته بحروف بارزة من الذهب الخالص ؛ ثم زار قسم الطباعة ؛ فشهد التلاميذ وهم يطبعون صورته الكريمة تذكارا لزيارته السنية ؛ وبعد أن أتم دورته بالمدرسة اثني علي ناظرها محمد أفندي ماهر رفعت لما يبذله من الهمة في سبيل ترقية الصناعة بالإقليم ؛ وقت تفضل جلالته فمنح تلاميذ المدرسة ٧٥ ج .

ثم برحمها ميمما مدرسة التوفيق القبطية الابتدائية وكان في استقباله علي بابها أعضاء مجلس إدارة هذه المدرسة وهم نجيب بك عريان ؛ أديب أفندي حنا ؛ حنا بك طنيوس ؛ الخواجة جرجس مطر ؛ المطران انبا ايساك ( أسقف الفيوم ) وبعد أن طاف بالمدرسة اثني علي همه ناظرها سليم أفندي رزق الله

بعد أن ألقي أحد تلاميذ المدرسة كلمه جاء فيها ( مولاي صاحب الجلالة المعظم
في هذه اللحظة السعيدة نلت الشرف الاسمي بمثولي بين يدي جلالتكم لانوب عن جميع إخواني طلبة هذه المعهد في التعبير عما امتلأت به قلوبنا من الفرح العظيم بهذه الزيارة الجليلة التي بعثت فينا روح حياة جديدة لا نرتاب في أنها ستكون حياة سؤدد وفخار )
وقد تفضل جلالته ومنح المدرسة ١٥٠ ج .
ثم عاد إلي كشكه لتناول طعام الغذاء حيث كان الساعة ١ ظ .

وفي الساعة ٤ عصرا تحرك موكبه الميمون قاصدا اللاهون ؛ مارا بهرم اللاهون ؛ وكان في انتظاره عند الهرم المسيو لاكو مدير المتحف المصري ونفر من كبار الإدارة بالمديرية ؛ من بينهم حبيب بك حسن وكيل المديرية وإبراهيم بك أدهم مفتش الداخلية ؛ وعند وصول جلالته ترجل وطاف حول الهرم وكان مسيو لاكو يشرح لجلالته تاريخ هذه الهرم .

وبعد أن طاف حول الهرم برحه ميمما اللاهون ؛ وكان في انتظاره هناك أمين بك فكري مفتش الري وأحمد بك راغب وكل التفتيش وبعد تناول الشاي القي أمين بك فكري كلمه جاء فيها

( مولاي صاحب الجلالة ؛ أمام نظر جلالتكم قنطرتا اللاهون ؛ أحدهما هذه القنطرة القديمة ؛ وكانت فيما سلف تجري عليها موازنة المياه حتى أوائل القرن الماضي ؛ إذ ظهرت عليها بوادر الضعف ؛ وكم تناولتها يد الإصلاح بالترميم حتى أن النصف الأمامي منها أضيف إلي النصف الخلفي كما يتبين ذلك من وجود خط اتصال البناء الجديد بالقديم
مولاي وقد بلغ الأمر بهذه القنطرة التي هي مفتاح مياه هذا الإقليم ان أصبحت في خطر الانهيار ؛ لو لم يتدارك الأمر ذلكم المصطلح الكبير معيد مجد مصر جدكم العظيم المغفور له محمد علي باشا ؛ فقد أمر وقتئذ بإنشاء قنطرة جديدة للموازنة أمام هذه القنطرة بنحو ثمانين متر ذات ثلاث عيون ؛ وكان ذلك عام ١٨٣٨ م ولولا ذلك لانهارت القنطرة القديمة وتفقدت المياه بلا ضابط علي الفيوم ولأتلفت الزرع والضرع وألحقت بالفيوم خسارة جسيمه )

ثم تقدم إلي جلالته أنجال أمين بيك البتاتوني ( من أثرياء الأقباط ) بباقتين جميلتين من الزهر فوقف جلالته وتقبلها باسما ؛ ثم غادر جلالته اللاهون ؛ عائدا إلي كشكه الملكي الساعة ٧ م محفوظا بالعناية الربانية .

وبعد تناول العشاء شاهد من شرفته حفلة المشاعل التي اشترك فيها تلميذات مدرسة البنات المحمدية والفلاحين والعرب ؛ فبعد أن مر أمام جلالته نحو عشر سيارات يحملن تلميذات المدرسة وهن يهتفن بحياة الملك وولي عهده وينشدن نشيد الربيع أتي بعدهم الفلاحون بأزيائهم الطبيعية ينشدون نشيد الحصاد ويحملن سنابل القمح رمز لنضوج الزرع عند تشريف جلالته الإقليم ؛ ثم أتي بعدهم العرب بخيولهم المطهمة ولعبو ألعابا مدهشه بخيولهم العربية الأصلية فكان المنظر من أبداع المناظر وأبهجها ولا سيما والمكان مضاء بمئات الثريات الكهربية ومئات المشاعل التي يحملها شرذمه كبيرة من الخفراء بملابسهم الرسمية وقد استمرت البلدة في حبور وفرح طول الليل

……………………………………………. وقائع زيارة الملك فؤاد الأول لقري الفيوم سنة ١٩٢٧……. اليوم الثالث
يونيو 11, 2020
الرحلة المليكه

اليوم الثالث للزيارة الملكيه

-جلالة الملك في سيليين

تحرك الركاب الملكي في منتصف الساعة التاسعة من صباح الثلاثاء ميمما سيليين لمشاهدة منزل سيليين الجميل وعين السيليين الطبيعية حيث قد أقام محمود بك جاد الله ( عمدة السيليين ؛ وقد احضر مأدبة ل٥٠٠ شخص كما احضر المطرب صالح عبد الحي ) كبير أعيان البلدة صيوانا فخما لاستراحة جلالته ؛ ومما لا شك فيه أن منظر منزل سيليين من المناظر التي يندر وجود مثلها في القطر المصري ؛ بل في بلاد أخري ؛ اللهم إلا سويسرا ؛ وكثيرا ما يرد سياح للفيوم ؛ لمجرد معاينة هذه المنزل ؛ وشرب مياه عين سيليين الطبيعية
وصل جلالته إلي السيليين حيث كانت الساعة التاسعة والربع بين هتاف الجماهير وزغردة النساء وقد ذبح جاد الله بك في طريقه الذبائح ووزعها علي الفقراء ابتهاجا بتشريف جلالته ؛ وبعد أن استراح جلالته قليلا بالصيوان ألقي بين يديه أمين أفندي الشاهد كلمه مناسبة لمقامه منها
( لقد شرفني قومي عائلتا الشاهد وجاد الله أن انوب عنهم عند المثول بين يدي جلالتكم للإعراب عما نالهم من شرف بزيارة جلالتكم لهم
أرأيت الوجوه المستبشرة والعيون الناضرة والهتاف يبلغ السماء بدعاء ذي الالاء أن يحفظ مليك البلاد وولي عهده فاروق )
وتلاه احمد أفندي معبد عضو مجلس النواب عن الفيوم ومن كبار أهل الرأي وهو من أعيان ابوكساه وألقي كلمه نقتطع منها ( مولاي صاحب الجلالة لي الشرف الأكبر والفخر العظيم أن أقف بين يدي جلالتكم معبرا عما في نفوسنا من الفرح والسرور بهذه الزيارة الميمونة التي طالما توسلنا إلي الله عز وجل أن يحققها حتي صحت أمنيتنا وسمحت مكارم جلالتكم فجدتم علي هذا الإقليم بهذا العطف السامي والفضل العظيم فأصبح من أقصاه إلي أقصاه فرحا مستبشرا يجر ذيل التيه والإعجاب)
وبعد قليل قام جلالته محاطا بوزراء الدولة وكبار رجال السراي إلي مقر العين وبعد أن شرب من مياهها شرح له محمد باشا شاهين وكيل وزارة الداخلية للشئون الصحية ما تحتويه من العناصر وكانت المصلحة قد أعدت لوحه بجوار العين سجلت عليه نتيجة تحاليل هذه المياه ثم شكر لجاد الله بك اهتمامه وإخلاصه وغادر سيليين ميمما فيديمين بلد الزيتون والليمون .

-جلالة الملك في فيديمين

كان قد أعد أعيان فيديمين صيوانا فخما وسط حدائقهم التي تغطي مساحه تقرب من الألفي فدان بجوار شجرة زيتون كبيرة قيل إن محمد علي باشا كان يزورها كلما زار الإقليم ويجلس تحتها
تقع هذه الشجرة في زمام أراضي الخاصة بعائلة بياض وعلي وجه التحديد تخص شيخ العرب محمد علي بياض كبيرة أسرة بياض وعميد قبيلة البراعصه .
وقد اضطر جلالة الملك للوصول للصيوان لركوب دابة من دوابه الخصوصية
وبعد أن استراح قليلا وسط الصيوان قد له أعيان الجهة ليمونا من أشجارهم يندر وجود مثله في جهة أخري ؛ سواء أكان من جهة رائحته أو حجمه أو مقدار عصيره وبعد تناول القهوة ألقي عدة خطباء كلمات تناسب المقام
ثم قام جلالته مسرورا من هذه المقابلة الحماسية والمناظر البهيجة واتجه بسيارته إلي كحك
وعلي بحيرة قارون كان قد أعد عمد وأعيان الناحية صيوانا فخما يشرف علي بحيرة قارون الخالدة وكان الطريق من فيديمن إلي كحك مملوءا بالأهالي الذين انسلوا من كل حدب وصوب لمشاهدة طلعة المليك المحبوب
وكان العرب يحيون المليك علي طول الخط
وفرسانهم يبدون من ضروب الفروسية ما يبهر الأبصار
– جلالة الملك بكحك

بعد أن استراح جلالته قليلا بصيوان كحك قام محمد أفندي طلعت احد أهالي هذه المنطقة والقي بالنيابة عن عمدها وأعيانها كلمه جاء فيها :
( ياصاحب الجلالة ويا مليك البلاد ؛ علي شاطئ هذه البحيرة وعلي مقربة من هذا الأثر التاريخي الخالد ؛ اثر ملوك مصر القدماء يحظي بشرف المثول بين يدي جلالتكم عمد وأعيان بلاد اطسا يقدمون فرائض أخلاصهم وصدق ولائهم وجزيل تشكراتهم علي ما تفضلتم به من زيارة اقليمهم)
ثم قام جلالته وسار حتي حافة البركة ؛ فتعالت أصوات الدعاء من الصيادين الذين نزلوا من قواربهم والتفوا حوله وتملكتهم نشوة الفرح من تنازل مليكهم لتشريف بلدتهم ؛ وكان السرور والابتهاج باديا علي محيا جلالته من منظر البحيرة الرائع ثم عاد من كحك إلي كشكه الملكي بالفيوم مخترقا ابوكساه حيث كانت عائلة معبد وعائلة جورجي باشا ويصا قد أقامت زينات ممتدة لعدة كيلومترات وبعد الاستراحة بكشكه الملكي وتناول طعام الغذاء تحرك ركبه الميمون ميمما قحافة التي تبعد عن البندر نحو ٣ كم لافتتاح مشروع توريد المياه لبندر الفيوم وسنورس
وهناك ألقي محمود أفندي ابو زيد طنطاوي كلمه شرح فيها أهمية هذه المشروع ؛ لا لبندر الفيوم فحسب بل لأهالي سنورس والأهالي البلاد الواقعة بينهما وهي دار رماد والاعلام وجرفس والكعابي وبني عتمان وبيهمو
ثم عاد جلالته لكشكه الملكي حوالي الساعة السادسة مساء منشرح الصدر من المقابلات الحماسية التي كان يقابل بها في كل مكان وفي المساء أقيمت حفلة العاب ناريه للمرة الثانية بجوار الكشك الملكي وكان جلالته يشاهد هذه الألعاب الجميلة وكان منزل عزيز بك حنا صالح المجاور لسراي المديرية كأنه شعلة من النار من الثريات الكهربائية العديدة التي كانت منثورة حول هذا المنزل التاريخي الذي هو من أبنية المغفور له إسماعيل باشا الخديوي .
وفي هذه الليلة دعا محمود بك جاد الله الوزراء ومن مع جلالة الملك من رجال السراي وطائفة كبيرة من أعيان وموظفي المديرية لتناول العشاء بحديقته الغناء بسيليين وكان يطربهم أحد كبار المغنيين وظلوا في حبور وسرور إلي ما بعد منتصف الليل
…………………………………………..
وقائع احداث اليوم الثاني

Loading

خالد ابراهيم

Learn More →

اترك تعليقاً