أهرامات أصلان .. روح الطبيعة و جمالية العمران.

كتبت / نزهة الإدريسي. 

منذ فجر الإنسانية والكائن البشري مهووس بالسمو و العظمة ، والتطلع للأفق والأعالي الى أقصى مدى حتى يشعر بالقوة و الأمان ، وهكذا عبد الأقمار والشموس والكواكب وكل ما يوحي بالعظمة والقوة ، وحين عجز عن ركوب الأفق الأعلى انشغل ببناء وتشييد البروج العالية ليضمنها روحه التواقة للسمو والعلو و ليعبر أيضا عن مدى التزامه العقائدي و وفاءه لآلهته التي خصها بتماثيل وصروح عالية ، وبتوالي العصور وتطور وعيه استمرت معه هذه الرغبة فشهد التاريخ العديد من المنشآت العالية التي تعبر عما وصلت اليه بعض الشعوب من رقي وحضارة ، فكان برج بابل الأسطوري الذي يعتقد انه كان بأرض العراق وحسب ما ورد عند قدماء المؤرخين وكما ذكر أيضا بالكتب المقدسة أنه بني بغرض الوصول الى استكشاف السماء لكن القوة السرمدية حسب ما جاء في سفر التكوين ( الفصل 11 من واحد الى تسعة ) منعت بناته من مواصلة البناء وحكمت عليهم بالشتات فتفرقوا بمغارب الأرض و مشارقها . هذا البرج والبناء العالي
خير دليل على مدى رغبة الإنسان وطوحه لاختراق الآفاق و الانسجام مع الملكوت الأعلى عندما تتملكه الروح الدينية . ثم نجد مسلة حمورابي الذي دون عليها أول قانون تعرفه البشرية كما كلمات تمجد مؤسس أعظم دولة عرفتها بلاد الرافدين . المسلات العالية التي اشتهرت بها أيضا بلاد الفراعنة والتي تدون عليها أهم إنجازات الفرعون الحاكم كل خلال فترة حكمه ..وهكذا تطورت المباني الشاهقة من البعد الروحي الى أبعاد أوسع دينية ، وطنية ، ثقافية ، حضارية …
نأتي للعصر الحديث والمعاصر ليستمر الإنسان في شغفه و تطلعه للأفضل والأرقى و الأعلى لينبئ عن تطلعاته نحو التقدم اكثر للامام وقيادة العالم والتعبير عن قوته لجذب الانبهار وتحقيق العزة والرهبة .
فتنافست دول عديدة في تشييد ناطحات سحاب وأبنيه عالية قمة في الإبداع ، ناطقة بثقافة عصرها حيث اهتمت بالبعد الاقتصادي و التطور العلمي محل منافسة أمم العصر ..
وهكذا جاء برج شنغهاي بالصين الذي اعتبر أجمل برج في العالم لجمال تصميمه و التكنولوجيا المتقدمة التي تغطي جميع تكويناته ومرافقه من الداخل لينبئ عن المكانة المتقدمة والمرموقة التي تسعى إليها الصين ، الى جانب ناطحات سحاب مماثلة انتشرت عبر العالم كانت كلها عبارة عن مراكز تجارية تمثل القوة الصناعية والتجارية والتقدم العلمي لهذه الدول ، كما جاءت بعضها للترويج لاقتصاد الدولة من بوابة السياحة كما هو الحال لبرج إيفل بالعاصمة الفرنسية والذي شيد ليكون بوابة المعرض الدولي للمدينة لكنه بقي من تاريخ افتتاحه سنة 1889 الى الآن مقصد السياح و المعلمة التاريخية والسياحية الأولى التي تجذب الزوار ..
أما برج التوأمين ” بتروناس ” بالعاصمة كوالالمبور بماليزيا واللذان اعتبرا أعلى برجين توأم في العالم وقد جاءا ربما أقوى تعبير عن المرحلة التي تعيشها الإنسانية وهي السباق نحو التسلح فقد تم بنائهما على شكل صواريخ ليعبرا عن طموح الدولة الماليزية في اللحاق بقطار التطور العسكري وأخذ مكانها في نادي التسلح ، كما الاشارة للمكانة القوية التي وصلت إليها الدولة
أما برج الساعة في لندن والذي أخذ إسمه من دقات جرسها الضخم ( بينغ بونغ ) فقد جاء لإعلاء قيمة الوقت فالساعة المعلقة على قمته تعد أدق توقيتا في العالم ..
ثم جاءت ابراج أخرى في مناطق من العالم غرضها منح الزائرين إطلالة واسعة على مدن و مناطق ذات طبيعة خلابة ..
وتأتي في الأخير ابراج أو أهرامات أصلان الواعدة لتتحدى الابراج السابقة بجميع الأغراض الإنسانية التي إما همشت أو الغيت تماما من كل الابراج السابقة سواء منها القديمة أو الحديثة والمعاصرة ، وتحديا لكل المشاريع العمرانية التي تتخذ صبغة القوة والفخامة و الجمال .
لماذا ؟؟
لانها لن تكون صرحا معماريا فقط يتسم بالعلو والفخامة وإنما أيضا لانه سيضم مرافق اقتصادية واجتماعية وترفيهية تلبي حاجة المقيم والزائر لكن في مناخ هو الاقرب للطبيعة يصادق البيئة ولا يسيء اليها بل ويطوع التيكنولوجيا لتقريب الطبيعة للإنسان ليستفيد منها و ينتفع بشكل سليم
فالمنشأ حسب التصور الذي وضعه له الدكتور إبراهيم و المهندس صائل سيتغذى من حيث الطاقة على الطاقة الطبيعية النظيفة التي تعتمد على الاشعاع الشمسي
ثم ستكون هناك مرافق حيوية اجتماعية كمراكز التجميل التي ستعتمد على مواد طبيعية غير كيماوية كما خط مجاري مائية تضخ فيها المياه الطبيعية زيادة على التشجير و الاغراس المتنوعة والحدائق …
كل هذا يعتبر جديدا على ثقافة الابراج و المباني العالية التي كانت قديما لها اغراض او دلالات دينية او روحية تعزز روح الاستسلام للكهنة والخضوع للملوك ولم تكن لأغراض اخرى تهم الشعوب ، و الان مازالت دول العالم تتنافس في العمران و بناء ناطحات السحاب والأبراج العالية لكن وان ابتعدت عن الروح الدينية والغيبيات فانها اغرقت في المادية وتهدف غالبا لإبراز القوة الصناعية او التجارية والاقتصادية واضفاء نوع من الهيبة على البلاد والحكومات .
أهرامات أصلان الايكولوحية تاتي لتصالح الإنسان على الطبيعة و تعيده لحضنها الغض الحنون دون ان تبعده عما جاد به العصر من تقنيات تسهل طريقة العيش وسهولة الوصول للمتعة والراحة .

Loading

خالد ابراهيم

Learn More →

اترك تعليقاً