في هذا اليوم أحصيت كل ما معي من نقود، بحثت في كل حقائبي، عسى أن أكمل ثمن أجرة التاكسي، فأنا في عجلة من أمري، لتأخري على عملي، وأعلم أنني سأنتظر طويلا، حتى تأتي سياره مكروباص لأركبها، لكن للأسف ما أحصيته لا يكفي
وقفت وانتظرت طويلا، وعينايا شاخصة بأتجاه كل سيارة آتيه، على أمل أن يشير لي سائقها بعلامة الوقف، ولكن دون جدوى
الوقت يمر، والتفكير أخذ يشتت عقلي، وكذلك الآلام أخذت تتزايد بظهري وقدمايا من الوقوف، فأنا أعاني من أوجاع بعظامي، تتزايد مع السير والوقوف طويلا
أوجاع ظهري وأرجلي تتزايد ويزداد معها القلق والتفكير وعينايا شاخصة على الطريق، حتى أنني فكرت أن أستقل تاكسي وأخذ أجرته من أي من زملائي بالعمل
أتخذت القرار، ولكن رأيت سيارة من بعيد ويشير لي سائقها بالعلامة التي أعتدتها، بأنني سأقف، وكان ردي له بحركة رأسي بالموافقه
صعدت للسيارة، محاولة الوقوف ولكن كان الوضع صعب للغايه، وما زاد الوضع صعوبه هو أن قامت فتاه شابه بالتعامل معي بشكل غريب، حيث قامت بإذاحتي بقدمها وهي جالسه، مع أن من المعتاد أن أجد تعاون من النساء معي، بالتوسيع والإفساح لي لأستطيع الوقوف، ومن تتطوع بحمل حقيبتي، ومن تمسك بي خشية أن أقع في أحدى المنحنيات التي تجتازها السياره
ولكن هذه المره تعاملت معي الفتاه بأنانية كبيره، هذا ما شعرته منها، بل إنها عند النزول دفعتني لتنزل ولم تنتظر حتى أنزل اولا واوسع لها الطريق، وكدت أقع من على باب السياره، وكانت لا تبالي بي، وحدثتني بشكل غير لائق وكانت تتحدث بالتليفون مع إحدى صديقاتها على الهاتف، وجرت مسرعه للحاق بها.
غضبت غضب كبير منها، وقفت حتى أستجمعت نفسي، حيث أصبت بدوار وكدت أن أسقط على الأرض، نظرت لها وهي تسير أمامي، فتاه جميله مفعمه بالحيويه والنشاط، تسير بسرعة كأنها فراشة.
أكملت طريقي للعمل سيرا، لأحاول أن أهدئ من نفسي، وأخذت أستنشق الهواء، وأملئ صدري به حتى شعرت بالهدوء
ظل المشهد معلقا بذهني طوال اليوم، حتى عدت للبيت، وملامحها لا تفارقني، وأفكر فيما فعلته، وتوعدت بأن أعاتبها إذا رأيتها مرة ثانية
قصصت على أبنتي ما حدث، فغضبت كثيرا، وقلت لها ( أوعي تكوني بتعملي زيها )
فنظرت لي أبنتي بأستغراب واستنكار شديد بأنها إستحالة تعمل كده ـ وذكرتني عندما طلبت من أخيها ألا يقف على باب المكروباص لأني أخاف عليه، فكان رده عليّ ( ينفع يا ماما أكون قاعد وحد زيك أو زي بابا واقف)
ظلت ملامحها محفورةفي ذاكرتي، حتى وجدتها مرة أخرى، ولكن هذه المره جلست مواجهة لها، وأيضا تعاملت بنفس الطريقه ونحت وجهها بعيد، ولاحظت أنها عرفتني، وخافت تنظر لي، ولكن أنا طيلة الطريق وأنا أوجه نظري إليها
نزلنا ولم أوجه لها أي كلمه، رغم ما كنت أنوي القيام به
مرت الأيام، وقابلتها مرة أخرى، ولكن لاحظت بعض اللين منها، وصادفتها مرة أخرى، ونظرت لها وضحكت، فضحكت هي أيضا، قلت لها، الصدفه بقت تجمعنا كتير.
هنا لم أفكر أبدا في عتابها، أو توجيه اللوم لها، فلقد أعتبرتها كما أبنتي، وكذلك هي طبيعتي، لا أحب أن الوم أحد،أو أوبخه، والتمس الأعذار وأصفح أيضا.
نزلنا سويا وتبادلت معها الحديث بود وحب، وسألتها عن أسمها، وعرفت أنها ليست بالجامعه، فهي حاصله على مؤهل متوسط، وتعمل في مشغل للتفصيل والتطريز، أستقلينا السياره الاخرى لتوصلني لعملي، وتوصلها لعملها، وتبادلنا أرقام التليفونات، وودعتها بود وأمل أن أراها مرة أخرى.
في نفس اليوم، جائني إشعار التروكولر بأسمها، فقمت بتسجيله، في المساء فتحت الواتس، وذهبت الى حالة الواتس لأجد صورتها وحالتها، فعرفت أنها قامت أيضا بتسجيل رقمي، بعدها بدأت ترسل لي وردات على الواتس، وأنا أرسل لها بعض الرسائل للسؤال عليها وتحيتها.
بل وبادرتني هي بالأتصال بي، للسؤال عني، وأنها تراني في الصباح وتتمنى أن أركب ولكن السائق لا يقف، وعرفت الكثير عن ظروفها، وأبدت إعجابها بصورتي على الواتس، وطلبت أن أتصل بها وأسال عنها، لأنها أحبتني وشعرت بأنني مثل أمها التي توفت من سنوات قليله، وتفتقدها وتفتقد حنانها.
أخذنا في الاتصال والسؤال عن بعضنا، وفي الأحيان الكثيره أكون أنا البادره دائما في الإتصال بها، بل وعندما تتصل، أفعل معها مثلما أفعل مع أبنتي، بأن أغلق الخط وأتصل انا بها.
وها هي تدعوني لحضور حفل زفافها، وسوف أحضره، وأحمل لها هدية قيمه.