بقلم الأديبة..هند بومدبان
في متاهات العبور حطت أصابعي الملتهبة على حافة الغيم ، تزعم بشوق ولادة روح ينبجس منها الألم ، لتخط حروف الحكاية الموءودة ب صوت الاختناق ، ها أنا أشعل لحظتي الأخيرة بسراب يصرع الانتماء ، هكذا أخبرني الشعر !!! و أنا في ذاك الرماد أنفث وجعي .
وكما الأمس أشق الكلمات و أعشق الدوران حولي لأرى البسمة، آتية من خلف أعماقي تغير العرف ، تحرك السكون ، و لم أنحن قط لتلك الريح و لا لهمسات النسيم و لا أدري صدقا ما يعجبني فيك و أنت تتجول بخاطري تعبئ صمتي المحرم .
أعلم أنك تشعر بالمتعة في تقليب المواجع عليّ، أحضن ظلِّي و يحضنني ، أحمله فيتبعني
أقتفي أثار انهياري ، و سقوطي على مدار الأوقات ، و تلاشي الأشياء ، أعانق جلجلة الهدوء التي انتهت صلاحيتها بداخلي ، أرتشف نفس الصباح خارج الفصول في حرب لاذعة دون انقطاع ، بين روحي و ذاك الغياب ، ليحنق ضياء أيامي ف أظل قابعة أمام المرآة أحيي هدوء وحدتي ، و لم يتبّق مني إلاّ الرماد ألهت وراءه كل يوم ، وحتّى ذلك الرّماد هبّت عليه ريح القطيعة ، فظل تائها عن الأتي ، وما عاد منه شيء تحت وطأة الماضي ، لا في القلب ولا في الذّاكرة حتّى يفتن كتيبة الحلم .
قلت لكم وحدتي تبهرني يا سادة !!!
أعذروني أنا السبب …..
ف افتحي يا مدارات الكون ذراعيك ، و استقبلي ليلا كلوحا يرتدي السعادة على حافة الموت ، حيث الرمق الأخير من الحياة ، عل الأرض تتوسده حين تغفو شجيراتها الحالمات على جسد من شظايا ، لوهلة تناثرت العتمة حولي ، لتفقدني توازني و تغازل جراح هذا الزمن ، تغيب الدمعة من حر الألم فتصلب ملامحي ، تساقطت أوراقي تباعا ف اغتيلت دواخلي بين صمت و صرخة ، لأختار بهدوء العيش في محراب لا يخالط عراء قلوب أثقل كاهلها برد السنين، و في منأى تنقضي به كل الذكريات ، و نجمة تسرق مني مسافات العمر .
تسألني فوق روابي الأسى :
- ماذا بيني وبين ظلِّي ؟ و هل تغيرت ؟
تعبرني دمعةً في مآقي الحبر بعنهجية شرقية ، وتنسى أني ما تغيرت إلا حين تركت اللوعة تحملني ، و ظلي يحمل وهج السراب في ذوات الانصياع بك ، و ألاّ مكان لي هناك في صفير الرياح .
مع أنّه لم يعد هناك ما يجمع بيننا سوى أسراب مهلكة ، و كل ما أنا عليه عابرة سبيل فوق مداد الصمت ، تجد السعادة غريبة في نبش قبر الحب المنتحر على عتبات القلب ، و حتّى ذلك الوجع جعلته سخيفا جدّا ينتهك الكتمان ، جعلته فارغا من كلّ شيء حتّى من بعض الدّموع والأشواق الّتي كان يمكن أن تكون زينة مناسبة لأواصر حياة تتشبث بعمق المجهول
وأنا، لشيء ما في قلبي، لم يؤلمني ذلك ، فبين لقاء و فراق أصبحت حرة و لم يعد يعنيني ما تكونه أنت .
أتدري يا ذاك ،الظلال ضياء و الأمنيات انتهاء حكاية الظلم و لا أجمل من شعور امرأة هزمت وحش الذّكريات ليشاطر السواد السراب، وتغلّبت على ألم النّهاية المرسومة والمعدّة لها مسبقا، لا أجمل من صبر امرأة على الخيبات .
و على العكس تماما، تقاذفتني الأهواء ، و حملت ناي الأعماق لأختم الوجود بسمفونية الضياع، وحين سحقت أنت ألواني ، تجمد حبري على الورق ليترك ظلي يعانق الخواء .
إنّه شعور بالنّصر أغازل فيه الفراغ بصمت لاهب ، و أنتشي بلحظاتي ، أتسلى بمجرى أحلامي إلى مداها اللانهائي ، لأقول انتصرت و كفى و حملت الأمواج ثقل عنادي .
و مع كل مغيب بين رحلة و غربة احتسي النسيان ، أراقبه من خلف نافذته اليتيمة ، و لا أعرف لما تجتاحني هذه الرّغبة في الكتابة إليه ، أنفض الوهم الجاثم على أكمام صبري ، و أسرد حكايتي كلمات و كلمات دون توقف، أنا الّتي اخترت الكتابة طريقا ، واختارتني هي ربّما قربانا حين تسللت عنوة من فجوة العمر ، احتضن بعض ما أصابني من قشعريرة و أجلس منذ ساعات أحاول أن أشرح لنّفسي مدى جنوني و لسعات الأيام تسابق اللحظات ، لتصادر أحلامي ،أشتعل حزنا بلا صوت و لا هذيان ، ثم أمتطي صهوة الشعر و أستريح على بياض،
و فجأة أصبح طريدة لدمعة هطلت نزولا على عتبات حلمي ، علني أفهم نفسي ف أي دمع هذا يحاصرني بهذا الليل ، أعزف له موسيقى تصغي لها الروح ،فينطلق بعيدا عن حطام التفاصيل ل أتمدد في العراء ، ربّما لا أعي جيّدا ما أقوم به كل هذا الوقت ، وأنّ مسايرة لقلم سيغدو بعد حين حملا ثقيلا على امرأة من نور و نار، لكنّي حين أسقطت أقنعة الغموض ، وخلّفت ورائي ذاكرتي المجروحة وألما كسيحا ، قررت ألاّ أتوقف عن الكتابة إليك كي لا تنطفئ حرقة السؤال .
أعذر جنوني يا سيّدي وأعذر هلوستي علها تنجلي بلاهة الانزواء ، فأنا امرأة ترتقب العبور و أسراب الطيور العائدة من الاغتراب بعيدا عن ظلال الأوهام .
ثم أهب واقفة مذعورة منادية ظلي ل يدبُّ على الأرض ، ماا أدراني أنّ محرابي ذاك نفسه اختار طريقه ، و فارق ظلي حين انقشعت غيمته ل يغدو بعد حين مسكونا بظل رجل سوف يسرقني من نفسي إلى خيوط الشمس و الحنين ، و من كلّ ما كان حولي أحمل لمسة عشق من ذكرى ، و في لحظة دون استئذان أغادر ضوء النهار و أفك أزرار المساء ، ليتعرى الحنين جامحا و غواية ظل يربت الغبار عن قميصه.
ها هو النبض يطرق من جديد، صدقا لا أفتش عن غيمة من دخان ، هو فقط طرق خفيف مدهش متزن ، عذب ساحر خفّاق رقيق، طرق جديد مختلف، و كلمة واحدة تقلب كلّ شيء في داخلي،
وتصبح الذات جامحة في دوامة الاحتراق ، تتلقفها أيادي ملتوية لا تعترف إلاّ بدوران القلب حول اتجاه الرحيل ، أيُّ صخب يهدِّئُني و نبض جذوري المتربة بالأحزان يغادرني ، و غواية البقاء في محرابي إلى الأبد ، ولأنّ رجلا ما سيجتاح كياني كي يعلّمني كيف الحياة تعيد تكوينها حين تقسو ، و حين تحنو من جديد أخطو الطريق فيها على بساط الريح لأغادر صمت الفراشات…
إنني أكتب الآن هلوستي كي أُنظف هذا النبض و كفى …