حرب البنوك المركزيةبقلم / محمد فرج الله الشريفترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال بسبب تلك الحالة التي تسيطر على الكثير من المصريين فيعتبرون كل من يتفاءل أنه خائن للقضية الوطنية وكل من يرى خيرا لمستقبل مصر أنه متآمر أو متواطئ أو ( مطبلاتي ) للنظام وهي حالة سيئة للغاية .ولكن ما شجعني على الكتابة أنني لا أنتمي لحزب من الأحزاب لأدافع عن وجهة نظره ولا أتبوأ منصبا في هذا النظام يجعلني أدافع عنه .ولكنها قراءتي للوضع الراهن أكتبها بمنتهى الموضوعية والحيادية لمن يتابعونني ويثقون برأيي ولا مانع من أن أزين هذه النظرة بشيء من التفاؤل الذي أمرنا ديننا بأن نتحلى به في نظرتنا للأمور ويأتي هذا التفاؤل من الإيمان بقدرة الشعب المصري على تخطي الصعاب وصبره الكبير وحبه لوطنه الذي لا ينتهي والامكانات الهائلة التي تتمتع بها مصر .أما عن الوضع الاقتصادي الراهن فإن العالم يخوض حربا حقيقية حرب وجود وبقاء في عالم جديد سيولد لا محالة وفي مقدمة تلك الحرب تأتي الحرب الاقتصادية ، حيث أصبح الاقتصاد سلاحا فتاكا ترتفع به دول وتسقط به أخرى وأصبح الاقتصاد ورقة مهمة في يد الدول الكبرى للتدخل والعبث واللعب بالدول الصغيرة للهيمنة وإملاء الشروطفما يفعله البنك المركزي الأمريكي والقرارات الاقتصادية التي تتخذها أمريكا خلال الشهور الماضية من رفع متكرر للفائدة ما هي إلا حرب حقيقية في وجه الاقتصادات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق آسيا لتظل هذه الاقتصادات تحت سيطرة أمريكا وخاضعة لهيمنة الدولار الأمريكي ،بل إن بعض القرارات الاقتصادية التي اتخذتها أمريكا مثل ( قانون مواجهة التضخم ) أزعج أوروبا حليف أمريكا التقليديمما دفع رئيسة المفوضية الأوربية للقول ” لا بد من التعاون التجاري بين أمريكا وأوروبا وعدم المخاطرة بحرب تجارية مدمرة “حيث ترى أن أمريكا تلعب لعبة خطيرة تدوس على مصالح أوروبا الاقتصادية بل تفكر بأنانية مطلقة وعلى أوروبا أن تتخذ إجراءات لحماية اقتصادها من التوحش الأمريكي المستبد الذي يبدو أنه يصنع أزمة عالمية لإغراق الكثير من الدول ليخرج وحده ناجيا بأكبر مكاسب ممكنة .أما عن الاقتصاد المصري فهو لا شك تأثر كثيرا بما يحدث حوله من أزمات وما تتخذه أمريكا من قرارات لكن في الواقع فإن الاقتصاد المصري نما في السنوات الماضية نموا جعله قادرا على استيعاب الكثير من الأزمات ومنحه المرونة في وجه غول التضخم الذي يجتاح العالم ويضرب أعتى الاقتصادات في العالم منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا .هذا لا يعني أن مصر في منطقة آمنة وعلينا الاسترخاء والرضا بل إن مصر محملة بأزمات عميقة فهي تحمل في عنقها 104 مليون مواطن بميزانية ( 435 ) مليار دولار سنويا وهو رقم ضئيل مقارنة بعدد السكان وما تطمح إليه الدولة المصرية وأيضا فاتورة استيراد ضخمة تقدر بـ ( 75 ) مليار دولار عام 2022 مقابل تصدير يقدر بـ ( 35 ) مليار دولار هذا العام وهو رقم قليل تسعي مصر لمضاعفة عدة مرات ،أضف إلى ذلك الجسد المصري المترهل عبر تراكم الدهون على ذلك الجسد خلال عشرات السنوات الماضية دون إرادة حقيقية لنهضة اقتصادية واقعية أضف إلى ذلك الفساد المالي والإداري والنيابي الذي أهدر سنوات طويلة لم تتحرك فيها مصر إلى الأمام بسبب عدم الاستخدام الأمثل لثروات الدولة وعدم وجود رقابة حقيقية تحافظ على تلك الثروات وتضبط اقتصاد الدولة ، وعدم وجود قوانين تساهم في تطور الدولة اقتصاديا ولا حتى اجتماعيا .ولكن إحقاقا للحق فإن السنوات الخمس الأخيرة هي الأكثر نموا للاقتصاد والأكثر رغبة من الإدراة المصرية لنفض غبار السنين وإزالة الدهون من الجسد المصري ليصبح رشيقا قادرا على النمو وبناء اقتصاد حقيقي راسخ ثابت عميق قادر على الوصول لكافة المواطنين المصريين ويظهر ذلك من خلال تطوير الريف المصري الذ تم تهميشه تماما خلال عشرات السنوات والوصول إلى الطبقات الأكثر فقرا مثل برامج الحماية الاجتماعية التي تتبناها الدولة حاليا وبناء شبكات طرق هائلة والتوسع في المدن الجديدة وتطوير البنية التحتية للدولة في كافة ربوعها .فإذا كانت صادرات مصر عام 2022 ( 35 ) مليار دولار فقد كانت عام 2015 ( 18 ) مليار دولار أي أن التصدير تضاعف تقريبا خلال ست سنوات وكانت فاتورة الاستيراد عام 2015 تقدر تقريبا بـ ( 72 ) مليار دولار وفي عام 2022 ( 75 ) مليار دولار زادت 3 مليار دولار فقط خلال سبع سنوات في محاولة جادة من الدولة لخفض فاتورة الاستيراد .وإذا كان الناتج الإجمالي لمصر عام 2022 ) 535 ) مليار دولار فإن الناتج الإجمالي عام 2016 يقدر تقريبا بـ ( 267 ) مليار دولار أي أنه تضاعف بالفعل في ست سنوات .ومع ذلك كل هذا لم يحقق رضا كافيا لدى الشعب المصري لعدة أسباب منها :