استرعي انتباهي منذ فترة طويلة أن مفاهيم التربية قد اختلفت عن الماضي.. فلم يعد مهما لدينا مبدأ تربية الأبناء علي القيم و الأخلاق.. و لكن أصبحنا نربيهم علي حسب هوي المجتمع.. و بناءا علي ذلك فقد أصبح لدينا نموذجا غريبا.. أنا أدعوه نموذج الطفل الناجح.. الفاشل مع مرتبة الشرف.إذن ما هي صفات هذا الطفل؟!.. هذا الطفل يتميز بتفوقه الشديد و ذكائه الإجتماعي الفطري.. بحيث أنه يستطيع أن يتفوق دون بذل أي مجهود.. فهو يستطيع أن يحصل علي أعلي الدرجات دون مذاكرة.. بالطبع عن طريق الغش.. فهو لديه المهارة في أن يغش من الكتب أو أن يأخذ مجهود غيره من زملائه.. ستعلقون علي كلامي الآن قائلين أن هذا النموذج موجود منذ بدء الخليقة.. نعم أنتم علي حق.. و لكن النموذج الحديث ليس الطفل و لكن أهل الطفل.. إن معظم الأمهات و الآباء الآن لا يهمهم أن يبذل أبنائهم كل ما في وسعهم للحصول علي أحسن النتائج و لكن كل ما يهمهم أن يحصل أبنائهم علي الدرجات النهائية و مراكز التفوق الأولي.. و ما يدعو للدهشة هنا هو أنهم يفعلون ذلك فقط للتباهي أمام المجتمع أن لديهم طفل متفوق.. فتكون الأهل علي معرفة تامة بأن أبنها أو إبنتها لم يستذكرا شيئا و حين حصولهم علي أعلي الدرجات يهئنؤنهم متباهين بهم و كأن هؤلاء الأبناء كانوا يبذلون مجهودا جبارا للنجاح.. و لم يخطر علي بالهم أن يسألوا أبنائهم كيف حصلوا علي تلك النتيجة دون بذل أي جهد.. و هنا تكمن المشكلة.. لأن رد فعل الأهل يعطي للابناء انطباع انه مباح لهم عمل أي شئ للوصول للنجاح..و سمة أخري من سمات هذا الطفل أن يكون حريصا أن تكون صورته أمام الآخرين أنه علي أدب و خلق في حين أنه في الحقيقة علي العكس تماما و كأن الأهل قد أبرموا معه عقدا علي أن يباح له كل شئ شريطة أن يكون أمام الناس مؤدبا و محترما حتي يستطيعوا التباهي به و التفاخر أمام المجتمع.. و هنا تحدث المصيبة يظهر الطفل المتفوق المؤدب الذي يخفي بداخله صورته الحقيقية المتمثله في الغش و قلة الأدب.. الطفل صاحب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.. و لو كان هذا الطفل ضرره فقط يقع علي أهله لما كان هناك مشكلة.. و لكن المشكلة تكمن في أنه سيصبح طبيبا و مهندسا و معلما بالغش.. و يكون أبا لأطفال يتعلمون منه مبادئه و كأننا نربي أجيال فساد لتلتهمنا دون رحمة.. سيكون هو أيضا الابن العاق الغير بار بوالديه إلا أمام المجتمع فقط حفاظا علي المظاهر.. ليت كل أم و كل أب يدركوا أن النجاح و التفوق هو ما يستطع المرء أن يحصل عليه بمجهوده لا أن يسرق مجهود غيره.. ليتهم أيضا يدركون أن كل فرد يقوم بعمله بإتقان هو إنسان متفوق و لا فرق بين الطبيب و المهندس و المحامي و العامل طالما كل منهم يعمل بجد و شرف.. طالما أنه لا يعرف مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.و أخيرا.. لنتذكر دائما أن أولادنا أمانة و نعمة منحها لنا ربنا سبحانه و تعالي.. لنتق الله فيهم حتي لا يحاسبنا الله يوم القيامة علي التفريط في أمانته.