تحقيق…مجدي الشهيبي
في زمن يُفترض فيه أن تكون العملية الانتخابية نموذجاً للرقي والوعي والمشاركة السياسية الجادة، تطفو إلى السطح مشاهد متكررة على مدار دورات انتخابية متتالية باتت تُثير الجدل أكثر مما تُثير الفخر أبرزها الرقص أمام اللجان الانتخابية.
هذا المشهد الذي أصبح ظاهرة مرئية وموسمية لم يعد مجرد حالة فردية أو فرحة مشاركة
بل أصبح يُطرح كمحور نقاش سياسي اجتماعي ودستوري ويتطلب أن نتناول أبعاده من زاوية تشريعية قانونية ثقافية وحتى أخلاقيه
ما بين المشاركة والتهريج… تشخيص الظاهرة
الرقص أمام اللجان غالباً من نساء وفي بعض الأحيان من شباب يتم تصويره بكاميرات الهواتف وينتشر على منصات التواصل وكأنه جزء من المشهد الانتخابي. في الواقع هناك ثلاثة تفسيرات رئيسية لهذه الظاهرة
اولا_ سلوك تلقائي عفوي من بعض المشاركين بهدف التعبير عن فرحتهم بالمشاركة في الاستحقاق السياسي وهذا ضعيف جدا
ثانيا _وسيلة دعائية غير مباشرة تُستخدم لجذب الانتباه للمرشح أو الحزب السياسي واستمالة الناخبين بطريقة غير تقليدية.
ثالثا_سلوك مدفوع أو مُمنهج يتم توجيه بعض الأشخاص للقيام به من قِبل حملات انتخابية معينة بهدف “إحياء المشهد” وإعطاء انطباع كاذب بالحيوية أو التأييد الشعبي.
في كل الحالات يتحول المشهد من ممارسة ديمقراطية واعية إلى استعراض شعبي قد يحمل إساءة غير مباشرة لرمزية العملية الانتخابية.
الإطار القانوني والفراغ التشريعي
لا توجد حتى اللحظة في القانون المصري نصوص قانونية صريحة تُنظم أو تمنع الرقص أمام اللجان ما يفتح الباب لتفسيرات فضفاضة تعتمد على
قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية
قوانين الآداب العامة والنظام العام
قوانين التجمهر أو إعاقة سير العملية الانتخابية
مواد الدعاية الانتخابية وتنظيمها.
لكن غياب مادة مباشرة يؤدي إلى فراغ تشريعي خطير قد يُستغل إمّا للتغاضي عن الممارسات غير اللائقة أو لتقييد حرية التعبير بشكل تعسفي هنا تبرز أهمية تبني سياسة تشريعية واضحة تحسم هذا الجدل
وهنا يأتي السؤال هل الرقص شكل من أشكال حرية التعبير؟
من الناحية النظرية نعم.
لكن من الناحية الواقعية يجب أن يُفهم أن الحرية لا تعني الفوضى حرية التعبير تشمل الكتابة والغناء والتظاهر وحتى الرقص…
لكن بشرط أن لا تُسيء إلى الآخرين أو إلى القيم العامة أو تؤثر على مجريات عمل مؤسسي مثل الانتخابات.
فالرقص أمام اللجان يفقد الانتخابات هيبتها ويُظهر الناخب وكأنه ذاهب إلى “مولد شعبي” لا إلى أداء واجب وطني.
ومن الآثار السلبية لهذه الظاهرة
الرقص أمام اللجان لا يُمكن قراءته فقط كمشهد ترفيهي عابر بل له تبعات مجتمعية وسياسية منها
- تشويه صورة الناخب المصري في أعين الداخل والخارج.
- التقليل من شأن الديمقراطية وتحويل الانتخابات إلى مهرجان
- إضعاف ثقة الشباب في جدية المشاركة السياسية.
- تشجيع التفاعل السطحي بدل الوعي الحقيقي بالقضايا الوطنية.
- استغلال الفقراء والنساء في مشاهد تهدف لإبهار الكاميرات لا بناء الوعي.
ويتسائل البعض هل نحن بحاجة إلى قانون يجرّم الرقص أمام اللجان؟
المسألة لا تتعلق بمنع الرقص كفعل فني أو جسدي بل تتعلق بتحديد إطار قانوني واضح لسلوكيات المواطنين حول لجان الاقتراع. والمطلوب ليس بالضرورة قانوناً يجرّم بل قانون يُنظم سلوكيات ما حول المقار الانتخابية من دعاية وضوضاء وتكدس
ومظاهر لا تليق. وهنا يأتي دور الهيئه الوطنية
للانتخابات في وضع دليل إرشادي انتخابي تُصدره يوضح المسموح والممنوع.
عقوبات إدارية أو تنظيمية للمخالفين دون اللجوء دائماً إلى الحبس أو الغرامة
دورات توعية للمواطنين حول أهمية الرقي في التعامل مع الانتخابات
والحل في التثقيف لا القمع
الحل ليس في ملاحقة من يرقص بل في نشر الوعي بأهمية الصوت الانتخابي متى ما أدرك المواطن أن صوته هو أداة لتغيير المستقبل لن يفرّغ طاقته في الرقص بل سيملأ ذهنه بأسئلة من هو المرشح؟
ما برنامجه؟
ما تاريخه؟
ماذا سيقدم لي ولمجتمعي؟
المجتمع يحتاج إلى:
تربية سياسية تبدأ من المدارس
ودور إعلامي ناضج ووطني
تحفيز حملات شبابية واعية تطرح البديل الثقافي والسلوكي
واخيرا
إن الرقص أمام اللجان الانتخابية ظاهرة لا يجب أن نضحك عليها أو نتجاهلها بل يجب أن نُدرك أنها مؤشر على غياب الوعي السياسي عند فئة من الناس وتقصير مؤسسي في نشر الثقافة الديمقراطية.
ولذا فإن السياسة التشريعية المطلوبة اليوم يجب أن تقوم على التوازن بين حماية الحرية وتنظيم السلوك، وبين احترام الفرد وصون هيبة الدولة.
فإذا كانت الانتخابات هي أسمى صور الممارسة الديمقراطية فلابد أن يكون المواطن على قدر هذا السمو سلوكاً وعقلاً ووعياً.
![]()

