كتب …مجدي الشهيبي
في زمن أصبحت فيه منصات التواصل الاجتماعي مسرحًا ضخمًا لعرض كل شيء من المواقف الإنسانية وحتى الطرائف اليومية برز مقطع قصير لفتاة تقدم ثمن”كيس شيبسي” لرجل بسيط في الشارع خلال ساعات قليلة تحوّل الفيديو إلى “تريند” تصدر الصفحات وامتلأت التعليقات بالمديح للفتاة وإشادة بابتسامتها وطيبتها
لكن خلف هذه اللقطة البسيطة هناك مشهد آخر أكثر عمقًا مشهد ربما لم ينتبه له الكثيرون: دعاء الرجل البسيط.
الرجل الذي بدا واضحًا أنه يعيش حياة قاسية مليئة بالاحتياج رفع يديه بصدق وصفاء ودعا للفتاة من قلبه هذا الموقف الذي لم يستغرق ثوانٍ معدودة كان أقوى بكثير من أي إطراء أو تصفيق على مواقع التواصل
فالفتاة نفسها قالت إنها اعتادت أن تفعل الخير دائمًا لكن يبدو أن هذه المرة كان الرجل بحاجة إلى لحظة إنسانية تسانده وكانت كلماته الصادقة بمثابة رسالة خفية أن الدعاء الصادق قد يغير الأقدار وأن رحمة الله أقرب للفقراء والمساكين.
الموقف في حد ذاته جميل ويستحق الاحترام، لكن الظاهرة المقلقة هي تضخيم كل مشهد بسيط وكأنه حدث جلل أو بطولة نادرة. كثيرون من الناس يفعلون الخير يوميًا في صمت يقدمون الطعام والدواء والمال يساعدون المحتاجين دون أن تراهم الكاميرات أو يعرف عنهم أحد. هؤلاء لا ينتظرون “لايك” ولا “شير” بل ينتظرون دعوة صادقة تُكتب لهم عند الله
لكننا اليوم نعيش زمن “الزفّة الإلكترونية” حيث يمكن لأي لقطة عابرة أن تتحول إلى موجة ضخمة من التفاعل تفتح الباب أمام مَن يتصنعون المشاهد طلبًا للشهرة أو التبرعات وهنا تُصبح الإنسانية مجرد “مشهد تمثيلي”، بينما الأصل أن تكون سلوكًا دائمًا وعادة راسخة
التريند في مصر لم يعد مرتبطًا بالقضايا الكبرى أو الأحداث المهمة فقط بل صار أي موقف طريف أو بسيط مادة للانتشار رأينا من قبل “زفة الملوخية من قصر الكبابجي” و”القلبوظه من بلبن” وغير ذلك من ظواهر تافهة استحوذت على اهتمام الجمهور لفترة ثم اختفت دون أي أثر.
لكن الخطير أن مثل هذه التريندات تُغيّب عقولنا عن الأهم وتدفعنا للاستهلاك السريع للقصص دون التوقف عند جوهرها فالموقف هنا ليس مجرد “كيس شيبسي” بل قيمة عظيمة هي الدعاء الصادق والنية الطيبة والرحمة التي قد تغيّر حياة إنسان بالكامل.
في النهاية لا أحد يُنكر جمال ما فعلته الفتاة ولا يُنكر أن الخير يجب أن يُشجّع ويُكرّم لكن المطلوب الآن أن نتعلم درسًا أعمق أن القيمة الحقيقية ليست في عدد المشاهدات ولا في التريند بل في الدعاء الذي يخرج من قلب محتاج.
فلنبحث عن هذا الرجل الطيب ولنطلب منه الدعاء فدعواته قد تكون أصدق من ملايين اللايكات. ولنعد إلى الأصل أن نُقدّم الخير لأنفسنا ولغيرنا في صمت بعيدًا عن ضوضاء الكاميرات وألا نسمح لثقافة “التريند” أن تسرق منّا جوهر الرحمة الإنسانية
![]()

