كتب…مجدي الشهيب
“تغيرات طبيعية في المخ قد تحرم المسنين من الشعور بالجوع والعطش ما يستدعي رعاية خاصة ترد لهم فضل سنوات عطائهم في طفولتنا
في الوقت الذي ينشغل فيه الكثيرون بالحديث عن أمراض الشيخوخة مثل هشاشة العظام أو ضعف الذاكرة يغيب عن الأذهان جانب لا يقل أهمية تراجع الإحساس بالجوع والعطش عند كبار السن
في أعماق المخ وتحديدًا في منطقة تُعرف باسم تحت المهاد (Hypothalamus) توجد مراكز متخصصة مسؤولة عن تنظيم الشعور بالجوع والعطش هذه المراكز تعمل كجهاز إنذار داخلي يُرسل إشارات للجسم عند انخفاض مستوى الماء أو السكر في الدم، لتدفع الإنسان إلى تناول الطعام أو شرب الماء.
لكن مع مرور السنوات والتقدم في العمر تبدأ هذه المراكز في مواجهة تغيرات عصبية ووظيفية تجعلها أقل حساسية وأبطأ استجابة لا يعني ذلك أنها تتوقف عن العمل كليًا، لكن كفاءتها تتراجع بشكل ملحوظ
الخلايا العصبية تفقد جزءًا من قدرتها على إرسال واستقبال الإشارات
الناقلات العصبية وهي المواد الكيميائية المسؤولة عن التواصل بين الخلايا يقل إفرازها
الإشارات القادمة من الجسم كالعطش أو انخفاض السكر قد لا تصل بقوة كافية إلى المخ
هذه التغيرات تجعل كبار السن أكثر عرضة لمشكلات صحية قد تبدو بسيطة في ظاهرها كنها خطيرة في تأثيرها فالجفاف على سبيل المثال قد يؤدي إلى ضعف التركيز والدوخة أو حتى الإغماء أما إهمال تناول الطعام بانتظام فقد يقود إلى سوء تغذية يضعف جهاز المناعة ويُسرّع من تدهور الصحة العامة
ولأن كبار السن قد لا يشعرون بالجوع أو العطش بالقدر الطبيعي فهم بحاجة إلى متابعة خاصة وتذكير دائم
حين نتأمل طفولتنا ندرك أن شعور الجوع أو العطش لم يكن يشغل بالنا كثيرًا لأن أمهاتنا وآباؤنا كانوا دائمًا إلى جوارنا الأم تسهر الليالي لتطعم طفلها وتروي عطشه والأب يكدّ في عمله ليضمن أن يجد أولاده قوت يومهم واحتياجاتهم لم يكن يتركوننا للحظة نجوع أو نعطش بل كانوا يسبقون احتياجاتنا قبل أن نشعر بها
واليوم وبعد أن كبروا وضعفت أجسادهم جاء دورنا نحن لنرد لهم الجميل فإذا كانوا قد حملوا همّنا في صغرنا فمن الوفاء أن نحمل همّهم في كبرهم العناية بصحتهم وتذكيرهم بالطعام والشراب ليست مجرد مسؤولية بل هي دين في أعناقنا وردّ لجميل لا يُنسى
هنا يبرز الدور الكبير للأسرة والمجتمع فالعناية بكبار السن لا تقتصر على توفير الدواء أو الرعاية الطبية بل تمتد إلى أبسط التفاصيل اليومية مثل التأكد من أنهم يشربون الماء بانتظام ويتناولون وجبات متوازنة
إن تذكير الوالدين بموعد الطعام أو كوب الماء هو في حقيقته فعل برّ وإحسان قبل أن يكون التزامًا صحيًا وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، فإن الحرص على صحتهم ورعايتهم في كبرهم يُعد من أسمى صور البر
إن قضية تراجع الإحساس بالجوع والعطش مع التقدم في العمر تستحق أن تكون ضمن أولويات التوعية الصحية فالتعامل معها بجدية لا يحمي كبار السن من الجفاف وسوء التغذية فقط بل يعزز من جودة حياتهم ويمنحهم سنوات إضافية من الصحة والعافية وسط أسرهم والاعمار بيد الله
اللهم أرحم أبي وبارك لي في والدتي
![]()

