في زمنٍ صار فيه الدم العربي رخيصاً، وصرخات الأطفال لا تتجاوز شاشات الأخبار، وكرامة الأوطان تُباع على موائد السياسة… يولد في القلب حلمٌ صغير لكنه عنيد، حلم لا يعرف المستحيل.إنه حلم لا يراود ساسةً ولا قادة جيوش، بل يراود مواطن عادي مجرد عابر سبيل من هذه الأرض التي أنهكتها الحروب… حلم بأن يكون لنا جميعاً صوت واحد ويد واحدة، وأن نكسر دائرة الضعف والصمت، ونستعيد مكاننا تحت شمس الكرامة.الاحتلال… بلا شرف ولا أخلاق
ما يدفعني إلى هذا الحلم ليس الطموح الجامح فقط، بل هو الوجع المتكرر الذي يسكن قلوبنا منذ عقود. لقد عبث المحتل الغاصب بأمن منطقتنا وخرّب استقرارها، واعتدى — بلا وازع من ضمير — على أكثر من تسع دول في الشرق الأوسط: “لبنان، سوريا، العراق، اليمن، فلسطين، إيران، تونس، وآخرهم قطر” … وكلها كانت ساحات عدوان لا تشبه الحروب في شيء.
فالحروب، وإن كانت مدمّرة، لها شرف وقواعد، أما هذا المحتل الغاشم الغاصب فلا يعرف شرفاً ولا يلتزم بأخلاق. منذ قديم الأزل اتصف بالجبن والخيانة، ولا يزال، يمارس عدوانه تحت حماية اللص الأكبر — أو كما أُحبُ أن أسميه: الخائن الأعظم — الذي يُغطي جرائمه ويمنحه الضوء الأخضر ليكون الذراع الأقذر في المنطقة، ينفذ الأعمال القذرة نيابة عنه دون رادع أو حساب.
صمت العالم… ومجلس لا يحمي أحداً أو نفسه
وكل ذلك يجري تحت سمع وبصر عالم يزعم التحضر. مجلس الأمن الدولي، الذي وُجد ليحمي الضعفاء، صار مجلساً خاوياً لا يحمي ولا يردع، مجرد قاعة فخمة تزينها الشعارات بينما تسقط الأطفال تحت أنقاض بيوتهم. بل الأدهى من ذلك أن العالم الحرّ — الذي يرفع راية حقوق الإنسان — لا يجد في قتل الأطفال وتجويع الأبرياء سوى “تفاصيل وعبارات مؤسفة” في نشراته الإخبارية. وكأنهم يتسابقون على العبارات الرنانة ذات المنشتات الإخبارية الجذابة.
الحلم… جيش شرق أوسطي موحّد
ومن وسط هذا الركام يولد حلمي “أن تتحد دول الشرق الأوسط في جيش واحد عظيم”، يضم كل الدول التي ذاقت مرارة العدوان. جيش تكون كل دولة فيه لبنة قوية:
- دولة تساهم بالغاز،
- وأخرى بالبترول،
- وثالثة بالثروة المالية،
- ورابعة بالأسلحة الحديثة،
- وخامسة بالقوة البشرية الهائلة.
لو اجتمعت هذه القوى تحت راية واحدة، لأصبح هذا الجيش قوة ترعب العالم بأسره، لا المحتل وحده.
جيش على قلب رجل واحد، يحمل رسالة: “كرامة الإنسان أولًا”.
الضربة العادلة… لا انتقامًا بل استردادًا للحق
حينها فقط يمكن توجيه ضربة عادلة لا انتقامية، ضربة الثائر الشرق أوسطي، لا بهدف الدمار بل بهدف رد الاعتبار، ووضع حدٍ لزمن طويل من الاستباحة والظلم. وحين تتحرك هذه الأمة الموحدة دفاعًا عن حقها، لن يجرؤ أحد على فرض عقوبات، ولن يملك أحد حتى أن يلومها؛ لأن من يقف في وجه الظلم لا يحتاج لتبرير دفاعه عن الحياة.
من أجل فلسطين… ومن أجلنا جميعاً
هذا الحلم ليس فقط لأجل فلسطين التي تنزف منذ عقود، حيث يموت الرضع جوعًا تحت الحصار وتُدفن النساء تحت الركام، بل هو حلم لكل إنسان في منطقتنا يعرف طعم القهر.
فما دام المال العربي يُصرف في أيدي من يضربنا به، وما دمنا صامتين، ستظل الأدوار تتكرر على بقية الدول واحدة تلو الأخرى.
صحوة الضمير… قبل فوات الأوان
تذكّروا جميعاً … لقد قُتلنا يوم قُتل الثور الأبيض، يوم سكتنا عن الظلم الذي لا يمسنا مباشرة.لكن الصمت اليوم يعني الموت غداً. آن لنا أن نصحو، أن نتكاتف، أن نكفّ عن انتظار الخلاص من الخارج… فالخلاص لا يأتي إلا منّا، نحن أبناء هذه الأرض.
كلمة الكاتبة ….
قد يسخر البعض من هذا الحلم، لكن أعظم التغيرات بدأت دائماً بحلمٍ سخر منه الناس أول الأمر. إنه حلم الشرق الأوسط الحر، الشرق الذي لا يُهان، الشرق الذي يستيقظ فيه الكرامة من سباتها، ويقوم فيه الشرف من تحت الركام.
قد أكون عابرة سبيل… لكني أحمل في قلبي جيشاً من الأمل، وأؤمن أن اليوم الذي نتحد فيه كأمة واحدة، سيكون اليوم الذي ينحني فيه العالم احتراماً لنا بدلاً من أن يدوس علينا ازدراءً.
ولعل كلماتي هذه تكون بذرة في قلب من يملك السيف والكلمة والإرادة. فالعالم لا ينتظرنا أن ننهض… لكنه حتمًا سيرتجف حين نفعل.
والله الموفق.
كتبت د. أمل المناعي
الدوحة 16/9/2025
