في غزة، لا تنتهي الحكايات؛ فكل ركام يخفي خلفه قصة، وكل حجر يحمل ذاكرة، وكل طفل يختزن في عينيه من الألم ما يثقل عمراً بأكمله، بين أنقاض البيوت المهدّمة، لا تجد الكلمات مكاناً لتصف حجم الفقد، لكن المشهد وحده يكفي ليصرخ في وجه العالم الصامت.
ومن بين تلك المشاهد، تخيّلت حواراً بين طفل فقد بيته وأهله، وبين حجر صغير التقطه من بين الركام، علّه يجد فيه عزاءً أو سنداً:
جلس الطفل يضمّ الحجر بين كفّيه وقال:
- يا صديقي، لم تَعُد تكفينا حباتك الصغيرة. الخراب غطّى غزة كلّها، والدمع جفّ في عينيّ. لم أعد أجد دواءً يخفّف وجعي. أليس فيك ما يعيد لنا الحياة؟
أجاب الحجر، صوته صلب كأصله:
- أنا لستُ مجرد حصى، بل ذاكرة مقاومة لا تموت، في يديك أصير رسالة، وفي عينيك أصير وطناً يرفض أن ينكسر.
خفض الطفل رأسه وقال:
- اعتدنا على الألم حتى صار طبيعياً، لكن قلوبنا تتحطم كل مرة وكأنها المرة الأولى.
ابتسم الحجر:
- لا تحزن يا صغيري؛ الحروب مهما طالت تنتهي، والغزاة مهما طغوا يرحلون. سيعود الزيتون إلى فلسطين، والياسمين إلى دمشق، والقهوة والعسل إلى اليمن، والصوت الحر إلى العراق، والعز إلى العرب، والنصر إلى كل قلب مؤمن بأن الدم لا يضيع هدراً.
رفع الطفل الحجر بقوة أكبر وقال:
– إذن لن أتركك، سنبقى معاً حتى يعود المهاجر إلى وطنه، وحتى نصنع نصراً لا يشبه سوى الحقيقة.
فأجابه الحجر:
- وأنا لن أتركك، ففي يدك الصغيرة يكبر الأمل، وفي صبرك يولد الغد.
هذا الحوار، وإن بدا خيالياً، فإنه يختزل حقيقة عميقة: أن غزة ليست مجرد جغرافيا تُقصف، بل روح تقاوم. بين ركامها يولد أمل جديد، يحمل ملامح طفل وملمس حجر.
قد يسقط بيت، وقد يغيب جسد، لكن لا يسقط وطن في قلب طفل ولا يغيب حق محفور في حجر.
“حين يتكلم الحجر ويصغي الطفل: غزة تكتب حوارها الأبدي”
![]()

