كتبت : سحر الجمال
ورحلت ماما جميله في 18 أبريل 2021
من منا لم يقرأ مجلة سمير وهو طفل ، لقد عرفت مجلة سمير من خلال مكتبة مدرستي ، وكنت أشتريها عندما تتوفر لي الظروف وأنا طفلة من مصروفي الخاص ، وكانت سعادتي غامرة عندما عملت كأخصائي ثقافي بمكتبة الطفل بقصر ثقافة الفيوم ووجدت أعدااد كثيرة للمجلة بالمكتبة ، أستعدت معها ذكريات طفولتي ، فلقد شكلت مجلة سمير وجداننا ، وساهمت في تكوين وتشكيل أجيال من الأطفال ، لا ازال لليوم أتذكر بعض تفاصيل قصص وشخصيات عنتره بن شداد ،وتنابلة الصبيان ، وسمير وتهته ، ودندش وكراويه ، وزغلول أفندي، والشاويش بركات ، وقصص أولاد وبنات ….لكني لم أعرف صاحبة الفضل في إصدار هذه المجلة …لم أعرف ماما جميله رئيس تحرير مجلة سمير .
فالأطفال لا تهمهم أو تعنيهم ترويسة المجله ، إنما يتهافتون على قصصها
الجميع في المجال يعرف ماما جميله رائدة أدب الطفل وصحافة الطفل في مصر ، ونعرف أيضا أنها رئيس تحرير مجلة سمير، وأن لها فضل كبير في تمصير المجلة ، واشتهرت أيضا بسبب نجاح سلسلة أولاد وبنات الصادرة عن دار المعارف، نعرف أنها أثرت المكتبة العربيه بالمؤلفات والترجمات ، وكان من أبرز ترجماتها كتاب مسرح الأطفال – فلسفة وطريقة والصادر عن المشروع القومي للترجمة
ولكن هناك جانب مشرق ومضئ في حياة “ماما جميله” لا يعرفه الجميع ، وهو علاقتها بمحافظة الفيوم ، وعندما بحثت فيما كتب عنها لم أجد من كتب عن هذا الجانب المضيء من عطائها الإنساني الجميل ، عرفت هذا الجانب بالمصادفة ذات صباح عندما حضرت سيدة جميلة لم اعرفها في البداية إلى مكتبة الطفل بقصر الثقافة عام 2007 ، وعندما عرفتني بنفسها كدت أطير من السعادة لاني توفرت لي فرصة رؤيتها عن قرب ، وبرغم كبر سنها آنذاك ، إلا أنها كانت مفعمة بالحيوية والنشاط، وابتسامتها المشرقة تعلو وجهها لا تفارقه، كنت سعيدة لاني عبرت اخيرا عن حبي وذكرياتي مع مجلة سمير للأم الروحية لها.
سبب زيارة ماما جميله كان ان تسأل عن مسئول مسرح العرائس بقصر ثقافة الفيوم، أصطحبتها إليه ، وجلست معهما ، قدمت له مجموعة من قصص الأطفال التي قامت بكتابتها ، وطلبت منه أن يقوم بإخراجها كمسرحية عرائس للأطفال وتصميم العرائس والديكور والموسيقى الخاصه بهذه القصص
لما أصبحت المسرحية الأولى جاهزة للعرض ، اصطحبتنا ماما جميله إلى قرية “سيلا” وهي من قرى الفيوم، وبمجرد نزولها من سيارتها تدافع اليها أطفال القرية بحب وفرحة وصياح …كلهم يعرف ماما جميلة ، وهي أحتضنتهم واخرجت من سيارتها ساندويتشات اعدتها لهم ووزعتها عليهم ، جلست مع الأطفال بصحبة بعض من أمهاتهم ونساء القرية في بيت قديم وكبير وواسع مبني بالطوب اللبن ، به حديقة فواكه ، وسط مساحه شاسعة من الاراضي الزراعية المحيطة، وجاء موعد العرض المسرحي ، استمتع به الأطفال كثيرا، وبعد انتهائه قامت “ماما جميله” بطرح الاسئلة على الأطفال، سألتهم عما استفادوه من قصته ووزعت عليهم الهدايا ، على الجانب الآخر في نفس التوقيت كانت تقام ورشه أشغال يدوية وفنية لنساء وفتيات القرية لتعليم الخياطه والتطريز ، وعندما سألتها قالت أنها تحاول أن تساعدهم في أن يتقنوا حرفة تدر عليهم دخلا يعينهم على تكاليف الحياة.
تكررت الزيارات ل”ماما جميله” بصحبة العروض المسرحية ، وتكررت مشاهد الورش ومحاضراتها لأهل قرية “سيلا” واطفالها، وعرفت أن هذه الانشطة تتبع جمعية “التنوير والامل” التي اسستها هذه السيدة العظيمة لخدمة القرية واهلها.
سألت الدكتورة “ليلى الراعي” أبنة “ماما جميله” عن فكرة تأسيس هذه الجمعيه ، فقالت أن والدتها كانت تعتز بأرض والدها الذي قام باستصلاحها منذ سنوات بعيدة، وأنها ارتبطت بالارض والمكان وأحبتهما ، بالإضافة إلى حبها لإسعاد الاطفال وتثقيفهم، ونتيجة هذا الحب والارتباط فكرت في تاسيس وانشطة الجمعية وفي اسمها الدال “التنوير والامل” ، ونجحت من خلالها في الحفاظ على ارتباطها بقرية سيلا ممتدا ، ولهذا السبب لم تفضل ان تجعل من العاصمة حيث تعيش مركزا لنشاط الجمعية، رغم انه كان أسهل بالنسبة لها ، لكنها كانت ترى أن الريف المصري مظلوم ، وأن البدايه الحقيقية للتنمية والتثقيف والتنوير يجب ان تكون من الريف ومن الأطفال ، فسكان الريف يحتاجون رعاية واهتمام ، والرعاية الموجهة للريف وخصوصا أطفاله تكاد تكون معدومه، وكانت هي مؤمنة بأهمية العمل على تحسين الريف ، وشجعها على ذلك استجابة وترحيب اهل قرية “سيلا” بجهودها والتفافهم من حوله ، أهتمت “ماما جميله” بتعليمهم الخياطه من خلال جمعيتها ، ونشرت حب القراءه ووفرت الكتب للأطفال في مقر الجمعية من خلال عمل مكتبة مجانية، إضافة إلى مدرس ومسؤل للمكتبة يستقبل الأطفال ويعتني بهم ، ويقوم بتشجيعهم وارشادهم إلى مواد وطرق القراءة ومتعتها ، إلى جانب عدد من الانشطة الفنية مثل مسرح العرائس.
قام ادباء الفيوم سنة 2009 بتكريم “ماما جميله” بثقافة الفيوم خلال مؤتمر عن أدب الطفل كرائده توجت إسهاماتها الكبيرة في هذا المجال بإنجازات عادت بالفائدة على آلاف وملايين الاطفال المصريين على مدى اجيال. وشعرت من خلال كلمتها التي القتها في الحفل بأن هذه السيدة العظيمة تستمد كل عاطفتها وحماسها من وجوه هؤلاء الأطفال الذين احبتهم واحبوها ورأيناهم في قرية سيلا ، كانوا هم من يمنحونها كل هذا الدفء والطاقة والحيوية وتلك الأبتسامة المشرقة التي علت وجهها
وداعا “ماما جميله” الجميلة التي ستعيش طويلا مع ابنائها في مصر وفي قرية “سيلا” بالفيوم.