بقلم / ياسر عامر
عشر سنوات مرت الا سويعات قليلة علي زواج “حلمي” و”ايمان” بقي يوم واحد عن ذكرى زواجهما العاشر الذي أثمر عن ولد وبنت هما فلذة كبد حلمي وايمان …. حلمي فتى وسيم يكبر ايمان بأربع سنوات كان في البكالوريوس وإيمان في عامها الأول بكلية طب الأسنان منذ ان التقيا صدفة داخل الحرم الجامعي وحرمت علي أعينهما رؤية شخص اخر، سارا كيانان متلازمان مر عامه الأخير في الكلية كمرور البرق في الأفق حين تخرجه وعمله بأحد المستشفيات الكبرى بادر بطلب يد ايمان وبعد التعقيدات والشروط الكثيرة والاستماع لآراء الأهل والأصدقاء قبل إصدار الحكم بالارتباط.
كان زواج حلمي وايمان اسطورياً علي رغم بساطته والالتزام من كلا الطرفين بدعوة المقربين فقط الا ان احداث زفافهما كانت رائعة فوق الوصف لكون ايمان وحلمي قد استطاعا تحقيق حلمهما قليلون من الذين يحققون أحلامهم وخصوصا الارتباط الجسدي بعد الارتباط الروحي .
كانت ايمان اسم علي مسمى فهي ايمان فعلا متدينة لابعد الحدود مؤمنة بالله متبعة كتابه وسنته رغم وجود بعض اعتراضات احيانا من المقربين علي تشددها باعتبار ذلك نوع مبالغ فيه من الالتزام الديني والاخلاقي، كانت مؤمنة ايضا بمبادئها مما ساعد علي استجابتها السريعة لطلب حلمي زوجها بأن تتفرغ لرعايته بعد الزواج ورعاية أبنائها وهي سعيدة بذلك، ولكن لايمان.. إيمان آخر وهو إيمانها بحبها لحلمي وكانت تسعد جدا وتكرر ندائها لحلمي علي اعتبار انه حلمها الذي تحقق فعلا فحلمي كان حلم لايمان، آمنت بتحقيق حلمها وتعيش سنوات عمرها في سعادة بالغة كان يوم واحد يتبقي عن الاحتفال السنوي لذكري “الايمان بالحلم” وتحقيقه.
جلست تستعيد الذكريات وعادة ما يعكر صفو اللبن الحليب بعض الشوائب التي تظهر فيه جليا وورد علي خاطرها كلمات سمعتها في جلسة ودية “لا يوجد حب كامل”، ” لا يوجد رجل مثالي”، ” نحن لسنا في الجنة” ” كل شيء جميل له نقيضه القبيح”،” كل قضية وفيها ” انا “وهكذا.
لم تدري لماذا راودها هذا الشعور ولماذا ترددت تلك الكلمات في خاطرها ولكنها علي الفور تاكدت انها وسوسة اللعين ” إبليس” فتوضأت وصليت ركعتين دعاء لحلمي لها ولأبنائها وان يديم الله عليهم السعادة والهناء
.
كان حلمي قادما من الإسكندرية بعد نهاية مؤتمر طبي في مساء ذلك اليوم للاحتفال بزفافهما السعيد كعادته محملاً بهدايا لزوجته الحبيبة وله ولابنائهما كما تعود كل عام منذ ان تفرغا ايمان وحلمي مع بداية زواجهما لحياتهما، بعد ان شغله عمله عن اصدقائه واهله فكلاهما اكتفي بالآخر فجعله أهله وسنده وعزوته.
بعد ساعات مرت انتظرت ايمان حلمها “حلمي” في موعد وصوله ولكن الموعد تجاوز أكثر من ساعة منذ الدقيقة الأولى وإيمان تحاول الاتصال بزوجها الغالي فترد عليها الرسالة المسجلة “هذا الهاتف خارج الخدمة حاليا” ، جن جنونها ويزداد توترها مع كل دقيقة تمر ثقيلة بدأ القلق يتسرب اليها، بدأت دقات قلبها تتزايد تجري كانها امواج بحر متسارعة ارتفع صوت التلفاز في الهول فجرت مسرعة تخفض الصوت لكنها تسمرت وكأنها تمثال من شمع عندما وجدت الاخبار عن انقلاب القطار القادم من الإسكندرية وكأن السماء أسقطت عليها كسفاً جرت كالمجنونة لا تعلم أين تذهب وماذا تفعل.
نظرت الي الاعلي تستلهم كلمات دعاء، انتظرت رنة هاتف وهي تحاول الاتصال بحبيبها ولم يرد القدر ان يخيب ظنها، انطلق الهاتف صافرة انذار، عمها مدير مستشفي طنطا جوزك موجود في الحادثة,,, اطمني قالها بثقل توحي بانها لا مجال للاطمئنان اطلاقاً.
لم تعلم كيف انتقلت إلي طنطا او كيف أُنتقل بها الي طنطا لتجد نفسها أمام غرفة العمليات والأطباء يعملون بجد في محاولات إنقاذ حلمي او حلمها.. سجدت لله داعية” يارب لا تحرمني من حلمي، يارب لقد أكرمتني وادخلتني جنة أرضك فلا تخرجني منها لنار ارضك، اتوسل اليك ان تأخذ من عمري وتعطي حلمي، اتوسل اليك ان كان هذا آخر حياة حلمي فخذ حياتي يا الله لنكون سوياً، لا تأخذ روحي لا تقطع املي في الحياة”.
جدران المستشفى تهتز لدعائها، أطقم التمريض تتوسل باكيةً من أجل زوجها، كانت الدموع تسيل كسيل عرم، مر وقت استهلكته ايمان في الدعاء.
خرج عمها الذي كان يُجري مع زملائه الجراحة لزوجها حلمي وهي جالسة علي الارض في وضع الدعاء بدأت تنظر لخطوات عمها وهي مرتجفة لقد رات باحساسها قبل ان ترى بعينها اشتد الخوف بدأ القلب يبطئ في دقاته رويداً رويداً يرتفع معه نظرها رويداً رويداً كان عمها يتقدم اليها ببطئ شديد وفي يده “القلادة ” كان حلمي يرتديها وهي عبارة عن رسمة قلب علي جانبيها صورة لايمان وصورة لحلمي وبداخله” الله اعلم” فلم تحاول ايمان علي الاطلاق فتح تلك القلادة باعتباره نوع من التجسس، بدأت تستعيد بعض قواها وتقف بإعياء شديد لتلتقط القلادة من عمها ولكن عمها بوجه عابس متجمد أسقط القلادة علي الأرض.
فانهارت ايمان صارخة تأكدت الآن ان حلمي مات…. مات حامي ولم يستجب الله لدعائها ودعاء من حولها وصلواتهم لماذا يا الله ؟
محاولة ان تضرب راسها في الارض كمحاولة للانتحار فقدت ايمان إيمانها فجأة ولكن رفعها عمها الجراح وقال لها: لماذا تصرخين هكذا لم يمت حلمي؟
انظري داخل القلادة
استعادت قوتها وامسكت عمها بقوة اقسم انه حي لم يمت، بكت بشدة وبكى جميع من حولها وسجدت لله نستغفره وتشكره وتحمد انه وهبها الحياة مرة أخرى ، وعدت ان تصلي لله ركعات شكر يومياً حتى نهاية عمرها.
ثم استدرجت ونظرت للقادة بعد ان انفتحت علي مصراعيها من جراء سقوطها علي الأرض ووجدت صورة عريس وعروسة “ابيض واسود” ولكنها لم ترى من الصورة غير الاسود فقط وابيضت عيناها من الحزن ولكنها لم تكن تستطيع ان تكظم غيظها.
من هذا؟
إنه حلمي… ومن التي بجانبه؟
انها عروسة في لباسها الأبيض.
الخائن الغشاش ياريت كان مات وانطلقت مسرعة في ثورة غضبها تقتحم غرفة الافاقة محطمة كل ما يصادفها ويعترض طريقها وكأن كل قوة حب السنين تحولت قوة لكره فجأة ولما لا فالحب والكره طاقة وجهان لعملة واحدة.
انهارت علي حلمي محاولة ان ترتوي من دمه وتعبث بجراحه محاولة قطع الاكسجين عنه اتركوني ضيع عمري لا بد ان اضيع عمره.
مسكوها بشدة ولفوا يديها حول ظهرها لم يستطع أحد منعها الا والدتها التي جاءت مسرعة لتحتضن بنتها ولا صوت يعلو علي صوت الصراخ والعويل.
رمت لامها القلادة مرددة الغشاش الخاين اكتشف خيانته في يوم عيد جوازنا ابن “……” ولكن كان رد فعل امها مختلف جداً وسريع عندما رأت الصورة داخل القلادة وابنتها تمسكها في يدها .
مش فاهمة ايه مزعلك دي صورة أمه وهي بتتجوز ابو حلمي الله يرحمها ويرحم والده ويرحم الجميع.
فانطلقت الزغاريد من إحدى الممرضات واختلطت بعويل وصراخ من احد اهالي المرضى المتوفين، وانتشر رجال الامن والنيابة ليأخذوا أقوال الشهود ويحققوا في الواقعة .