كتبت / سحر عبد الفتاح
دعت منظمة الصحة العالمية إلى توثيق ودراسة التجربة المصرية في إدارة أزمة وباء كوفيد-19 العالمي وذلك بعد نجاح الحكومة المصرية في معالجة تداعيات فيروس كورونا على كافة المستويات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وفقا للمعايير الدولية، كما أتفق عديد من الخبراء على ذلك تحقق نتيجة فعالية برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته مصر خلال السنوات الأخيرة.
وقالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في مصر، نعيمة القصير، في ورشة عمل مغلقة بعنوان “ما بعد كورونا.. نحو استراتيجية وطنية لإدارة أزمات الأوبئة”، إن مصر من الدول التي نجحت على مستوى العالم في التعامل مع جائحة كورونا، موضحة أن مصر من أوائل الدول التي تواصلت مع منظمة الصحة العالمية، وساهمت من عدة منطلقات في البحوث والدراسات السريرية والعلمية المتعلقة بمواجهة الفيروس على مستوى العالم، وحققت تجربة رائدة يجب دراستها بعناية.
وشددت ممثلة منظمة الصحة العالمية على الحاجة إلى توثيق التجربة المصرية المتميزة في مجال التعامل مع أزمة كوفيد -19، والصحة اساس الرفاه والتنمية، ومصر بتجربتها الصحية الرائدة واستراتيجية حقوق الانسان في مصر التي تم اطلاقها بصورة متميزة تساهم في توفير اساس لمواجهة الأزمات من خلال الانطلاق من تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان وعلى رأسها الحق في الرعاية الصحية والأمان الصحي.
وأكدت ممثلة منظمة الصحة العالمية على دور مصر في المنظمة بالقول “مصر لديها مكتب قطري وتستضيف المكتب الاقليمي لشرق المتوسط الذي يضم 22 دولة، والأولوية لمكتب مصر في التعامل مع منظمة الصحة العالمية وفقا لدور المكتب ودستور المنظمة، كما أن وزير الصحة يمثل الدولة بالكامل داخل المنظمة وليس فقط القطاع الصحي.”
وأشارت قصير إلى أن مصر رفعت مخصصات الاستثمار في البحث العلمي بنسبة 60% عن السنوات السابقة، مشيرة إلى أنها نجحت في التعامل مع الملف من منظور الصحة العامة الشاملة، واستمرار المبادرات الصحية مثل 100 مليون صحة وأيضًا انطلاق مبادرة حياة كريمة التي ترتبط بمفهوم الصحة العامة.
وأشادت القصير بمساواة مصر بين السكان والمقيمين على أرضها من مهاجرين أو لاجئين وتلقيهم العلاج أو اللقاح، وبشأن توطين صناعة الدواء واللقاح في مصر، أوضحت أن هذه الصناعة تخدم مصر والدول المجاورة.
من جهتها، قالت السفيرة سامية بيبرس، مدير إدارة متابعة الأزمات بجامعة الدول العربية، إن أزمة كورونا من أشد الأزمات الوبائية العابرة للحدود، والتي نجحت مصر بجدارة في تجربة التعافي من تداعياتها ومواجهتها ومد يد العون للعديد من البلدان من خلال المساعدات الطبية. وأوضحت أن أي استراتيجية لمواجهة أزمة يجب أن ترتكز على التخطيط والتنبؤ ورؤية مستقبلية، والمرونة والتعامل السريع مع متغيرات الأزمة، والشفافية، واتخاذ تدابير وإجراءات تناسب كل مرحلة، والتعامل السريع والقرارات الحاسمة.
وقال اللواء أحمد الشهابي، رئيس المركز الوطني للدراسات، إن الهدف من ورشة العمل التي شارك بها ممثلين عن عدد من الوزارات ومجلس النواب ومراكز البحوث والجامعات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بحث الجديد الذي يمكن تقديمه في الفترة المقبلة في أزمة كورونا والخروج بمجوعة من التوصيات المفيدة لمصر والوطن العربي.
وأوضح الدكتور محمد فايز فرحات رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن انعقاد هذه الورشة بعد عامين من الوباء يكتسب أهمية بعد نجاح التجربة المصرية في التعامل مع الأزمة والشهادات من قطاع الأعمال المصري أو شهادة منظمة الصحة العالمية.
وأوضح فرحات إن التجربة المصرية بنيت في اطار مجموعة من المعطيات المهمة، و”التعامل جاء بعد نجاح في تجربة الاصلاح الاقتصادي ولولا المبادرة بهذا البرنامج في توقيت مبكر جدا لكان من الصعب التعامل مع أزمة كورونا بهذا النجاح”.
وقال فرحات إن الاستراتيجية الوطنية المصرية لمواجهة أزمات الأوبئة “تطرح سؤال يتعلق بخريطة الأوبئة في المستقبل، وأن هذه الأزمة لن تكون الأزمة الأخيرة، والعالم سوف يتعامل مع سلسلة من الأوبئة ستكون جزء من العالم الحاضر، العمل على بناء خريطة تتعلق بمستقبل الأوبئة، ومناطق تركز هذه الأوبئة في العالم ومصادرها. والبعد الأخر يتعلق باصلاح المنظومة الصحية، تتطلب قطاع صحي مرن يستطيع التعامل مع أي أزمات ترتبط بالاستجابة والرعاية الصحية، والتخصصات المعنية مع أزمات الأوبئة، الدروس المستفادة فيما يتعلق بالأوزان النسبية للقطاعات الاقتصادية، العولمة وتأثيراتها السلبية في انتشار الأزمات بشكل سريع جدا نتيجة الاتصال القوي بين مكونات الاقتصاد العالمي. وهل يجب الاعتماد على قطاع السياحة بشكل كامل أم يجب التركيز على قطاعات أخرى؟”.
وبدوره، قال هاني الأعصر المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات، خلال عرض ورقة عمل بعنوان “الاستراتيجية الوطنية لإدارة أزمات الأمراض الوبائية.. الأهداف والملامح والسمات” إن هناك سمات وملامح وشروط وضع استراتيجية وطنية لمواجهة وإدارة أزمات الأوبئة، معتبرا أن كورونا كشف التخبط الذي كان حادث في العالم كله بما في ذلك الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وايطاليا وبعض الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن ذلك ارتبط بالسمة الغالبة للوباء وهي الانتشار السريع وعدم القدرة على الانعزال على العالم، مشددا على أن هدف “الاستراتيجيات الوطنية للتعامل مع الأوبئة” هو “الحفاظ على كيان الدولة واستقرارها.”
وحدد الأعصر 4 سمات لازمة في أي استراتيجية أو خطة لإدارة أزمات بزوغ وانتشار الأمراض الوبائية، وعلى رأسها “البناء على ما سبق: أي بالإطلاع على التجارب السابقة لإختيار ما يصلح منها وتلافي الأخطاء التي وقعت فيها الدول الأخرى. والتماهي مع خصوصية حالة الدولة لتجنب الوقوع في فخ استنساخ التجارب الناجحة من دون مراعاة إختلاف ظروفها عن الدول صاحبة تلك التجارب. والحسم عند التطبيق: بإعتبارها السمة الضامنة للوصول إلى الأهداف المرجوة والسيطرة على الأزمة وتحجيمها. وأخيرا، المرونة، للتعامع مع المستجدات على الصعيدين العالمي والوطني، وتجنب الجمود في تنفيذ الاستراتيجية من خلال التمسك بنفس الإجراءات رغم تغير الظروف”، كما دعا الباحث إلى الأخذ في الاعتبار عدة عوامل مساعدة على نجاح تطبيق إستراتيجية مواجهة أزمات الأوبئة مثل إجراء التقييم الدوري للإستراتيجية والاهتمام بالجانب الإحصائي.
وقالت الدكتورة أميرة حسام معاون وزير التخطيط إن الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ في 2016 والسياسات الاقتصادية والنقدية ساهمت في تنفيذ الاصلاحات الهيكلية الخاصة ببرنامج الاصلاح الاقتصادي بما وضع أساسا متينا لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، وأشارت إلى جهود وزارة التخطيط في هذا الصدد من خلال التركيز على القطاعات الثلاثة الزراعة والصناعة والتحول الرقمي خلال العامين الماضيين، موضحة أنه في هذا الصدد تحققت نجاحات مثل زيادة تصدير المنتجات الزراعية للدول الاوروبية واليابان، وظهرت قوة السوق المحلية وليس فقط خارج مصر، فضلا عن الاعتماد على التعليم الرقمي كان له دور في تعزيز البنية التحتية في مصر.
وتابعت حسام “كان هناك ايضا دور لوزارة التخطيط في تطوير قواعد البيانات المرتبطة بمواجهة الوباء باعتبارها مسألة أمن قومي”، واضافت “ساهمنا بالتوثيق الخاص بالتجربة المصرية، وعملنا على توثيق التجربة المصرية من الناحية الاقتصادية في أكثر من محفل دولي، المشاركة في المنتدى الاقتصادي رفيع المستوى، واعداد تقرير التنمية البشرية الذي وثق جهودنا في المحافل الدولية، وينص في بدايته على أن الإنسان هو محور التنمية. ومصر الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت ان تحافظ على معدل نمو إيجابي.”
ولفت وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب الدكتور عبدالمنعم شهاب إلى أن مجتمع الأطباء “تحقق له حلم بتبني رئيس الدولة مبادرة صحة المصريين والفحص المبكر للأمراض المزمنة والمتوطنة”، مشيرا إلى أنه منذ 2005 كان هناك رفض لتعديل قانون التأمين الصحي القائم منذ عهد الزعيم جمال عبدالناصر، معتبرا إن تبني الرئيس عبدالفتاح السيسي لقانون التأمين الصحي الشامل كان حلم بالنسبة للمعنيين بالشأن الصحي في مصر، فضلا عن جهود الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي والتقزم والسمنة، الانتهاء من قانون التأمين الصحي المتكامل ووضعها ضمن استراتيجية الدولة 2030 سوف يحل العديد من مشكلات المنظومة الصحية التي عانينا منها عقود طويلة، كما لفت إلى أن دبلوماسية المساعدات الطبية عززت علاقات مصر بأفريقيا.
وقال أستاذ الأورام الدكتور هشام توفيق إن مصر نجحت بصورة قياسية في إدارة أزمة وباء كورونا وتعاملت باستجابة سريعة جدا ومبتكرة. وتابع “من أجل مواجهة الأوبئة نحتاج إلى تطوير مكان تقديم الخدمة الطبية ومقدمي الخدمة الطبية ويتم تضمين ذلك في اطار المحتوى التعليمي الذي يدرسه العاملين في القطاع الطبي والذي يعاني هجرة كبيرة للأطباء وأوائل دفات الطب، مؤكدا أهمية المرونة في توفير الأدوية بعيدا عن مستشفيات الجامعة أو التأمين الصحي حتى لا يحدث تكدس في المستشفيات خلال الأوبئة، وكذا حوافز ترقية الكوادر الطبية من أجل تحقيق الاكتفاء بالتخصصات النادرة والتي تعاني من نقص كوادرها، وتعزيز اللامركزية في إدارة أزمات الأوبئة والمشكلات الصحية، وتعزيز مجال التخلص الآمن من النفايات الطبية لتقليل العدوى والاضرار البيئية، وزيادة توفير الأدوية الفموية بدلا من الحقن والأمور التي تحتاج إلى تدخل طبي، وتوحيد قواعد بيانات القطاع الصحي من أجل معرفة كافة الموارد وتخصيصها التخصيص الأمثل، مثل معرفة عدد الأسرة المتاحة على مستوى الجمهورية في وقت واحد من خلال توحيد قواعد البيانات وتنسيق أعلى بين وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية.
تعزيز دور مستشفيات التكامل في توفير الرعاية الصحية الأولية، وتقسيم القطاع الصحي على المستوى الجغرافي، مشيدا بدور مبادرة حياة كريمة في توفير الخدمات بالمناطق الريفية، ومن خلالها يمكن تعليم الاشخاص إدارة الأزمة في الريف، ولفت إلى أن هيئة الشراء الموحد ساعدت الدولة في توفير الأدوية، كما حدث طفرة كبيرة في التعليم عن بعد والنشاط التعليمي أونلاين خلال وباء كورونا.
ولفت ممثل وزارة البيئة إلى أن هناك أوبئة اخطر على المجتمع والأمن القومي من كورونا، مشددا على دور المؤسسات العسكرية في مواجهة الأوبئة على مستوى العالم، وأنه لا غنى عن دور الجيش في كل الدول وكما حدث عند اغلاق المحافظات، وهو ما تم في الولايات المتحدة أيض من خلال قوات الحرس الوطني. وقال أن الوزارة قامت بتأسيس محارق على مستوى الجمهورية سريعا من أجل التخلص من النفايات الطبية بصورة تقلل من العدوى، وكذلك المدافن الصحية للمخلفات الخضراء.
وقال اللواء علي هريدي رئيس قطاع ادارة الازمات والكوارث بمجلس الوزراء إن فترة ما قبل وباء كورونا اعتمدت إدارة الأزمات والكوارث في مصر بالأساس على مركز إدارة الأزمات بالقوات المسلحة وقطاع إدارة الأزمات والكوارث بمجلس الوزراء، مشيرا إلى أن قطاع إدارة الأزمات بمجلس الوزراء تم انشاءه عام 2006 مع ظهور مرض انفلونزا الطيور، تعرضت لها مصر وتضررت منه بشدة، ولم يكن وباء عالمي بل كانت معرضة له بعض الدول فقط، وكانت مشكلة مفاجئة وأول مرة تحدث، وفكرت الدولة في إدارة الأزمات على المستوى القومي، بعدما لم يكن هناك سوى مركز إدارة الأزمات في القوات المسلحة.
وتابع “بدأ التفكير في هذا التوقيت في عمل إدارة أو قطاع لإدارة الأزمات والكوارث تابع لمجلس الوزراء من أجل التنسيق بين الوزارات المعنية. واهتم القطاع بعد انفلونزا الطيور بالكوارث فقط، لأنه لم يكن أحد متخيل أن يحدث وباء عالمي بهذا الشكل. وتابعنا عمل الكوارث الطبيعية ومشكلات المعديات الخاصة بنهر النيل وخاصة في الصعيد. وكان العمل على الأزمات بتعريف مختلف لما نحن فيه، ووصلنا إلى وضع خطط تخصصية قطاعية لكل القطاعات الموجودة في الدولة سواء كانت صحية أو بيئية أو صناعية أو غيرها.”
وتابع “هناك تحدي في التدريبات المتخصصة للفرق المعنية بمواجهة الأزمات، وأهم شيء التدريب لدينا في قطاع إدارة الأزمات، ويتم في الغالب الاعتماد على الوزارة المعنية في تدريب أي قطاع على المستوى القومي.. ولذلك القوات المسلحة سخرت قدراتها من أجل توفير المستلزمات الطبية والوقائية. وقام قطاع إدارة الأزمات بدوره التنسيقي ويتم تمثيل كل الوزارات أو القطاعات المعنية في تشكيله.”
وأوضح هريدي أن إدارة الأزمات في مصر تطورت خلال السنوات الأخيرة، “ففي البداية لم يكن هناك جهة مسؤولة عن إدارة الأزمات والكوارث قبل العام 2016 داخل كل وزارة وكل محافظة كما هو الحال الأن. والأن كل محافظ هو المسؤول عن ادارة الأزمات والكوارث داخل محافظته أكثر من القدرات التخصصية لدى كل وزارة”.
من جهته قال الدكتور سامي عبد العزيز، الأستاذ بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، إن إدارة مصر لأزمة كورونا تجربة تستحق التقييم والتحليل، مشيرًا إلى قدرة مصر على مواجهة عدد من الأزمات المتوالية خلال العقد الأخير الأمر الذي ساعد في تراكم الخبرات التي مكنت مصر من إدارة أزمة الجائحة.
وأضاف عبد العزيز الذي أدار الجلسة الأولى من ورشة العمل “أن تكرار الأزمات يكسب الدول مهارات في التعامل معها”، لافتًا إلى تعامل مصر مع الأزمة الاقتصادية واتخاذ عدد من القرارات الحاسمة التي مكنتها من التعامل مع الوضع الاقتصادي للدولة عبر برنامج الإصلاح الاقتصادي وقرار تحرير سعر الصرف.
واضاف عبد العزيز “نجاح مصر في إدارة هذه الأزمة من بين مخرجاتها ما مكن هذا البلد من التعامل مع الصدمة الأولى لفيروس كورونا، لو لم يكن الاقتصاد المصري بدأ مرحلة التعافي والقدرة على توفير موارد وجذب الاستثمار ما كان يمكن أن يوفر متطلبات ما حدث في المصانع من انغلاق”، موضحًا أن الدروس المستفادة من التعامل مع الأزمة الاقتصادية، تم استخدامها في التعامل مع أزمة فيروس كورونا مع اختلاف حجم الكارثة.
ونظم المركز الوطني للدراسات NCS ومقره القاهرة، ورشة عمل لتعزيز النقاش العام بشأن استراتيجية الدولة لمواجهة وإدارة الأزمات المرتبطة بالأوبئة في مختلف القطاعات ذات الصلة، وذلك من خلال مناقشة علمية وعملية لعرض المركز لورقتي عمل من إعداد باحثي المركز، تتناول الأولى “جهود الدولة المصرية في مواجهة أزمة كوفيد-19″، والثانية “الاستراتيجية الوطنية لإدارة أزمات الأوبئة – السمات والملامح”، وأختتم المركز ورشة العمل مساء السبت بوضع توصيات عملية لتعزيز إدارة أزمات الأوبئة على المستوى القومي.