كتبت: سحر عبد الفتاح
تعود الشاعرة الشيخة د.سعاد الصباح في كتابها الجديد «تأسيس الكويت في عهدي صباح الأول الحاكم الأول 1718 – 1776 وعبدالله الأول الحاكم الثاني 1776 – 1814» إلى شغفها المتجذر في استجلاء الفترات القصية والغائمة في تاريخ الكويت، فتستقصي آثارها في المراجع العربية والأجنبية، وتجمع وتوازن مظاهرها المختلفة، لتقدم صورة متكاملة عنها للكويتيين والعرب وكل مهتم بتاريخ الكويت، وتستكمل بذلك النواقص التي عانت منها المكتبة التاريخية الكويتية والعربية.
فبعد كتبها التاريخية: «صقر الخليج.. عبدالله مبارك الصباح»، و«مبارك الصباح مؤسس دولة الكويت الحديثة»، و«عبدالله بن صباح الصباح حاكم الكويت الخامس»، و«محمد بن صباح الصباح حاكم الكويت السادس»، و«جابر بن عبدالله الصباح الحاكم الثالث وصباح بن جابر الصباح الحاكم الرابع»، ترجع الشيخة د.سعاد الصباح في هذا الكتاب لتسلط الضوء على مرحلة اكتنفها الكثير من الغياب في أوساط المؤرخين، وهي مرحلة نشوء وقيام دولة الكويت، المرحلة التي شهدت إرساء الأسس ووضع القواعد التي نهض عليها المجتمع لاحقًا.
وبأسلوبها المميز وتتبعها الأصيل، تذهب اليخة سعاد الصباح في هذا الكتاب إلى رصد التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي ارتبطت بنشأة الكويت كمجتمع وكجماعة سياسية ابتداء من وصول «العتوب» إلى الكويت، واستقرارهم فيها، وتطور أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وصولا إلى مبايعة أهالي الكويت الشيخ صباح الأول حاكما عليهم. ويظهر في ثنايا الكتاب حجم المصاعب والمشاق التي واجهها الأجداد في سبيل إرساء القواعد التي قامت عليها الكويت فيما بعد.
وتلفت الكاتبة إلى كيفية تسخير أهل الكويت في تلك المرحلة المبكرة الخبرات والمهارات التي تعلموها خلال فترة هجرتهم من نجد حتى استقرارهم في الكويت، حيث تمكنوا من نسج مجتمع خاص، اختلف عن الطابع الزراعي الإقطاعي في العراق العثماني، والطابع البدوي الرعوي في شبه الجزيرة العربية آنذاك. فقد استغلوا الموقع الجغرافي كميناء مرموق، وبعدهم عن النزاعات التي كانت محتدمة في المنطقة، والتفتوا إلى تنمية مجتمعهم تنظيميا واقتصاديا، فسكن أفراد كل عشيرة من «العتوب» في أحد الأحياء، وصار يعرف باسمها، كما تسمت الأحياء بوجهتها الجغرافية، فكان هناك حي شرق، وحي القبلة، ثم حي وسط الذي سكن فيه آل صباح الكرام.
واستعرض الكتاب آراء المؤرخين حول حيثيات توافق «العتوب» على اختيار الشيخ صباح الأول لقيادتهم، حيث ذهب البعض إلى أن ذلك جاء اعترافا بدور الرئاسة والقيادة التي كانت لوالده في سكنهم الأصلي في «الهدار»، ورأى البعض الآخر أن سبب اختياره يرجع إلى أن الشيخ كان يقضي معظم أيام السنة في مدينة الكويت، وذلك على خلاف أغلب أقرانه، في حين أرجع آخرون ذلك إلى صفاته الشخصية وما اتسم به من تدين وشجاعة وحكمة وإنصاف للمظلوم.
وعلى هذا المنوال، تم التوافق على ابنه الشيخ عبدالله الأول من بعده، على الرغم من أنه كان أصغر أولاده. وتذكر المصادر أن الشيخ صباح اختاره لما اتصف به من حكمة وشجاعة وحب للعدل والكرم، ولخبرته التي اكتسبها من خلال معاونته لأبيه على مدى سنوات طويلة، وهي الصفات التي أكدها مختلف المؤرخين والباحثين.