لم يخلق الله على هذه الأرض أجمل من المرأة , فهي الأنس والسكن ، وهي مصدر أمان الرجل ، والمرسى الذي يلقي عليه همومه ، والحضن الذي يحتمي به ، والشجرة التي يستظل بظلها من هجير الحياة ،هي مكمن الأسرار ، ومستودع الأفراح والأحزان هي عنوان كل نجاح ، وباب كل أمل ، ومصدر كل همة وطاقة .لكن في عصر طغت فيه المادة وتراجعت فيه الإنسانية وحل محلها الآلة ,عصر وضعت فيه المرأة هدفا من قبل جهات معلوم بعضها ومجهول أغلبها تدير آلة إعلامية شرسة بميزانية لا سقف لها حولوا جمال المرأة الطبيعي التي كانت تكتحل بالأدب ، وتتزين بالحياء ، وتتجمل بالأنوثة إلى جمال صناعي بمستحضرات كيميائية وألوان وصبغات ورموش مصنوعة وشعر مستعار وجسد محشو بالسيليكون .ولم يكتفوا بذلك بل اختصروا الجمال في كشف أجزاء من الجسم وتجسيم أجزاء أخرى ،ثم أغروها بكلمات وشعارات براقة ( كالحب والعشق والحرية والمساواة ) كلمات وشعارات استخدمت في غير معناها ووضعت في غير موضعها الصحيح فكانت حقا أريد به باطل .وكأن المرأة قبل ذلك العصر لم تكن محبوبة الرجل ولا معشوقته , فأين حب عنترة لعبلة و جميل لبثينة و كثير لعزة !؟بل إن الشاعر ( بشار بن برد ) الذي كان أعمى أحب وعشق المرأة بفعل غريزة الحب وانجذاب الرجل ورغبته في البحث عن أنثى تكمل نقص رجولته يقول بشار بن برد :يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة و الأذن تعشق قبل العين أحيانا وبعد أن جعلوا المرأة مصنوعة أصبحت سلعة يتاجرون بجمالها , ويبيعون جسدها , ويهتكون سترها , وينتزعون عنها أنوثتها التي هي سر جمالها , ومكمن اختلافها عن الرجل , وهي المغناطيس الذي يجذبه نحوها .إن حقيقة الأمر أن تحويل المرأة إلى تلك اللعبة الصناعية لم يكن الهدف منه تجميل المرأة ولا صنع علاقة جميلة بينها وبين الرجل ولا تأسيس أسرة متحابة ,ولكن كان هناك هدف مسموم هو تحويل المرأة إلى سلعة رخيصة وأداة للجنس فقط , ومن شديد الأسف أن المرأة نفسها استسلمت لتلك الفكرة وابتلعت ذلك الطعم فصارت تعرض نفسها وتنشر صورها على المواقع ووسائل التواصل بلا خجل فتحطمت قواعد الأنوثة التي هي الستر والحياء والعفة والرقة والعذوبة ، فسقطت المرأة من عرشها في قلب الرجل فبدلا من أن تصبح زوجة وشريكة حياة أصبحت عشيقة وموضع شهوة لا أكثر .وتحولت المرأة من نور ينعم به الرجل إلى نار تحرق الرجل والمرأة ، ومن واحة خصبة إلى صحراء قاحلة .والأدهى والأمر أن الفتيات الصغيرات سقطن صرعى ذلك الهوس والسعار الجنسي الذي روج له إعلام مغرض حيث صور الفتاة بلا صديق أو حبيب أنها ناقصة غير مرغوب فيها وغير مكتملة الأنوثة ،فسقطت بعض الفتيات فريسة في ذلك الشرك المحكم وانجرفت في ذلك التيار , فنزعت رداء الحياء وهامت تصاحب وتخرج وتقيم العلاقات فتخدعها كلمة , وتغريها ابتسامة , ويسقطها وعد كاذب ونسيت المسكينة أن وراءها أهل وأسرة تكد وتشقى من أجلها .كما نسيت أن الشرف ثروة الأسر والعائلات وأن الحفاظ على العرض ليس فقط رأس مالها بل هو أيضا رد الجميل لأهلها .وأن عذرية الفتاة ليست فقط في غشاء بكارة وإنما في خلق حصين وستر منيع وحياء قاس عنيد ،وأن الأدب والحياء والعفة تاجها وعنوانها وأن الحب لا ينمو في الشوارع والطرقات بل يولد بطرقة شاب على باب بيت أبيها وينمو بمباركة أهل ثم يتوهج ويزدهر ويطرح ثماره في عش يتشاركون فيه .