بقلم مجدي عاطف الشهيبي
منذ اللحظة الأولى التي اخترع فيها الإنسان “رجل القش” لتخويف الطيور أدرك بالفطرة أن الخوف لا يحتاج إلى خطرٍ حقيقي بل إلى صورة تُشبهه.
كانت تلك الفكرة البسيطة نواة واحدة من أعقد أدوات السيطرة التي عرفتها البشرية (الوهم) فمنذ آلاف السنين لم يكن “رجل القش” سوى تمثالٍ ساكنٍ لا يملك سلاحًا ولا صوتًا ومع ذلك استطاع أن يُبقي أسراب الطيور بعيدةً عن الحقول لأن الخوف من المجهول أقوى من المواجهة مع الواقع.
ومع تطور الإنسان وتقدمه في العلم والتقنية لم يختفِ “رجل القش” بل تغيّر شكله وتعددت وجوهه فاليوم لم يعد مصنوعًا من قش وملابس قديمة بل يُصنع من أخبارٍ كاذبة وصورٍ مزيفة وشائعاتٍ تُنشر بسرعة الضوء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تلك “الرجال الوهمية” الجديدة لا تحرس الحقول بل تحرس مصالح من يصنعونها تُوجّه الرأي العام، تُثير الفتن وتزرع الخوف في النفوس من دون أن تُطلق رصاصة واحدة.
لقد أصبح الوهم في عصرنا صناعة متكاملة لها أدواتها وخبراؤها تُستخدم لتضليل العقول وإضعاف الوعي الجماعي. في السياسة نرى “رجال القش” في صورة خصومٍ وهميين يُحمَّلون كل الأخطاء بينما ينجو صُنّاع الأزمات الحقيقيون من المحاسبة وفي الإعلام تُرسم صورٌ مشوَّهة لأشخاص أو قضايا لتغيير اتجاهات الجماهير، وفي المجتمعات تُزرع المخاوف الزائفة من كل فكرة جديدة تُهدد مصالح البعض.
لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في الوهم نفسه بل في استسلام الناس له حين نصدق كل ما يُقال دون تمحيص وحين نحكم على الأشياء من مظاهرها دون أن نقترب منها نصبح نحن من يصنع “رجل القش” بأيدينا.
فالوعي هو السلاح الوحيد القادر على إسقاط هذه الأكاذيب الوعي لا يخاف بل يسأل، يبحث ويفكر. وهو ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى في زمنٍ تتداخل فيه الحقيقة مع التضليل حتى بات التمييز بينهما تحديًا يوميًا.
وفي واقعنا المحلي في مركز ديرمواس نرى كيف يُستخدم الوهم أحيانًا لتشويه الحقيقة أو لصناعة صورة غير واقعية عن أشخاص أو أحداث تُطلق الشائعات هنا وهناك وتُصاغ القصص لتخويف الناس من التغيير أو لتلميع آخرين وكأن البعض ما زال يؤمن أن “رجل القش” قادر على أن يخدع الجميع.
لكن الحقيقة أن أهالينا في ديرمواس أصبحوا أكثر وعيًا وأكثر قدرة على التمييز بين الصادق والمزيف فالمجتمع الذي مرّ بتجارب كثيرة لم يعد يُخدع بسهولة وأصبح يدرك أن الطريق نحو الإصلاح لا يمر عبر الخوف بل عبر الوعي والنقاش الصادق.
إننا نعيش اليوم معركة بين الوعي والوهم بين من يزرع الحقيقة ومن يزرع الخوف والانتصار في هذه المعركة لا يكون بالسلاح أو بالصوت العالي بل بالعقل الذي يرى ويفكر ويسأل.
وحين يسقط الوهم تُولد الحقيقة من جديد… أكثر نقاءً وأكثر قوة.
![]()

