تأليف / محمد فرج الله الشريف
أصوات البكاء والنحيب التي تنبعث من أركان البيت أيقظت ( أمير ) من نومه المتقطع منزعجا مشدودا نحو صوت جده الذي يضرب كفا بكف مرددا بهلع وجزع غير معهود ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) اعتاد أمير أن يسمع من جده ( الحمد لله ) وتمتمات الاستغفار بسكينة وخشوع واطمئنان
نهض ( أمير ) المكلوم منذ غروب شمس أول أمس اليوم المشئوم الموافق 1992 l 7 l 7 ذلك الغروب الكئيب الذي أفجعه بموت خروفه الأكبر الذي يستعد لبيعه مع الخروف الأصغر بعد أيام قليلة , بعد عام كامل مر على شرائهما وأمير يرعاهما ويطعمهما ويسمنهما استعدادا لمصاريف ودروس الثانوية العامة المقبل عليها خاصة أنه يعد العدة لدخول القسم العلمي بتكاليفه وأعبائه استعدادا لتحقيق الحلم المنتظر بدخول كلية الطب , وبشهادة زملائه ومعلميه هو أهل لذلك بجدارة واستحقاق . نام ( أمير ) ليلة أول أمس مهموما مكلوما على الرغم من الثلاثين جنيها التي مد عمه يده ووضعها في يده مواسيا ومحاولا تخفيف هول الفاجعة برغم أنها لا تساوي سوى %10 بالتمام من ثمنه الأصلي .
دخل ( أمير ) منزعجا من مرارة الألم والحزن الذي يتساقط من حوقلة جده ولا تتوقف فإذا بأمه تنزوي في ركن الدار تبادره نظرات حزن مختلطة بدموع من جفون مقرحة , دموع لم تمطر عينها مثلها منذ مات زوجها وأمير ابن سبعة أشهر , زادت أعصاب أمير خفة بعد أن قفز في رأسه سؤال مرعب .
هل أصاب الخروف الصغير أيضا مكروه ؟
مشى بذهول وبلا وعي في الطرقة المؤدية حيث يرقد الخروف ليبحث عن إجابة لسؤاله . فأسرعت أمه خلفه تتبعها نظرات جده خائفا يترقب وأمسكت أمه بيده وهي تقول بصوت بكائي منكسر
- مات يا ولدي . مات الخروف الصغير . العوض عليك يا رب
- رجع ( أمير ) متهاديا من دوار أصابه ليلقي بجسده على الكنبة بجوار جده المحوقل ونظر إلى عمه الذي يستند بظهره على الجدار المقابل منحنيا تتفحص عيناه تراب الأرض ثم ساد الدار صمت طويل …………. بعد سنوات طعمها مر تخرج ( أمير ) في كلية التربية بعد أن التحق بالقسم الأدبي مقهورا , وهو يقف الآن بين طلابه يسألهم ببراءته وبساطته المعهودة
- ماذا تحبون أن تكونوا في المستقبل ؟