كتبت الكاتبة الجزائرية .. مريم عرجون
مَكَاتِيبِي وشاحٌ خاملٌ في السعي إلى ملكوت حرفٍ يرقص على جبيني، كمجنون جامح، أدبر يسعى أن يُخرِجَ صدقا، وشفافية، و أكتب للواصفين وصف، و فيه ظرف للسامعين، والقارئين كشف، وأنا صلب كالحجر من أمام ساحة حرب عاتية، بعثرت أشياءها ببرودة أعصاب، وهي لا تقبل القسمة على اثنين، وأمام لوحاتُ ملصوقةُ في الركن الساخن في وطني، ومن خلف الباب، والمنابر، والأسوار، والحدود، حناجر ترفعُ بُوقَها، و تصهل بلغلغة حمى سياسة مغلولة، و تناقضاتٌ، تناقضاتٌ، تناقضات تعصر عقلك، والوجدان، منثورة بالطرقات، بطرقات وطني المُسْتَعِر كسابِقِ عهدِه، ولازلنا فيه ساكنوه، وهناك تحت ظل هذه الظروف السياسية التي تمر بها بلادي، العازفة على أوتار الانتخابات التي ارتفع هتافها هناك أمام الحشد الكبير، أرى أكتاف تتزاحم نحو القاعة، و أنا جالس أصغي بشحوبٍ قلقٍ لكلمات رنانة، ما يقول النقاد، والأحزاب، والروّادُ، و الصحفيون، فتمتلئ الأجواء بخطابات السياسيين، وبما يستمع إليه الجمهور من تحيز سلبي، الذي عدّ ميول كامنا في اللاوعي، إذ بكلمة تخرج من الركن الساخن، “خواء” لا شأن لي بالسياسة، فقد جاهدت كثيرا كي ألملم تصريحات السياسيين، و القادة، و أكوّن جملة يتيمة صحيحة، لكني فشلت، فشلت في التركيب، و التحليل، و الاستنتاج، و النحت، و الاستعارات، و التشبيهات، نعم فشلت في فهم المنقسمين السياسيين، و ضحاياهم، فشلت في قراءة المعادلة المتشابكة، والمعقدة، فشلت في استيعاب الإزاحات الدراماتيكية المَمْجوجة في برامج الأحزاب، والحركات الجذرية، فشلت في فهم الاِصطِفاف، و الْاِنْحِيَازَات، والولاءات المربكة، فشلت في قراءة خطابات التحريض المخضبة بدعوات التسليم، و الإذعان، فشلت في الصيام أيام اللغو و القيظ، و الفقر، و الجوع، أنا أغبى من أن أعي، أو أتعاطف مع كل هذا إلى درجة الخبل، و تجاه أعاصير الطبيعة العابثة، و هي تفتك بالإنسان هنا و هناك، كيف أستجيب لعقم السياسة، و عتمة السياسيين، و أنا أرى نجمة وهلال أحمرا قد تزينا علما علق على الأكتاف، لا شأن لي بالسياسة، و سأكتفي بالعبث مع الأطفال المشاكسين، الراسبين، الفاشلين، الأشقياء، و حين أتوق للحديث فسأتبادله مع المتسولين، والمتسولات في ساحات المدينة، و شوارعها الكئيبة، سألقي بحمى الانتخابات القديمة أمام شاحنة مسرعة على الطريق السريع، وتهرع خلفها أحلام أخرى بالملايين، أو أعتدل في جلوسي متباهيا بانتصار على مائدة الوطن، وكل شيء بمذاقنا، بملعقة من ذهب، أكيد فما علينا إلا أن نتقن الطاعة، و نتنازل عن حصتنا من الوطن طواعية، لأول مستثمر يصادفنا، شريطة ألا يراجعنا لاحقاً، حين يكتشف أن ثدي الوطن قد جف تماماً، و أن الساسة، و السياسيين لم يبقوا من الوطن، و المواطن، سوى أضرحة مهدمة، تحوي جثثاً متحللة !!!
“خواء” صدقت خواء بالحد ذاته، و ندرك أن هناك بعض القصور في الأداء التنفيذي للسلطة التنفيذية للانتخابات، فأنا لا يهمني شخصياً فالملعقة ليست دائما من ذهب، وجيلنا من جيلكم مصقول، الأهم عندي هو كيف نخطو الجمود، و كيف نمشي نجوب الدروب، نشرب الماء من جرة الوطن قطرة بعد قطرة، كيف نخطو، و خطانا تخجل أن تدوس على براعم زرعٍ نمت من دم ثوريٍ عشق وطنه لحد الثمالة، هذا الوطن الذي يصرخ فينا من غرغرات دماء شهداء، و من زفرة شعب يعجز عنه الهزم، كيف أمشي و خطاي مزقتها دندنات “تحيا الجزائر” من مدائن شعبي، وأسرار شعبي، و من قلاع شعبي المخمورة، وبيوت شعبي المهجورة، وطرق شعبي المحظورة، هاته الكلمة التي لا تعرف حداً للكلمة، ولا للسيف، وأمامها كل الأصوات المعادية لوطني كلها كلمات مكسورة، هذا الوطن المفطوم من الكسر، الذي دندن يوما في أذن الذبح، ما يهمني كيف نخطو بطريق السياسة النظيفة، و الارتقاء فوق الانتخابات المثيرة للانقسام، التي اعتاد مجتمعنا مفاهيم نمطها طوال سنوات مضت، لكن الاجتهاد هو وحده من يدَفَعَ الأعطاب، فالاجتهاد بتغيير زكام الانتخابات ليس مجرّد شعار يقال، أو ترفعه مؤسسات إنما هو منهج عمل، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة مكامن الأعطاب، و بدلاً من أن نعيب الظلام دعونا نوقد فتيل شمعة، لأن حالنا باقي مثل حال أي دولة في العالم، ومهما تختلف التيارات، والأحزاب، والعقائد والأفكار، إلا أنها مُدمَجةً، وأننا لا نختلف أيضا في مزاولة اللعبة الانتخابية هاته التي تمثل دائما المسار الديمقراطي.
وما ظل في الذهن مع كل هذا هل بدأت ثورة التغيير؟