كتب…مجدي الشهيبي
في زمن أصبحت فيه الكاميرا في يد الجميع، وأصبحت المنصات الرقمية مفتوحة على مصراعيها لكل من هبّ ودبّ، ظهر نوع جديد من “النجومية الزائفة”، صنعها البلوجرات اللاتي اعتمدن على استعراض الأجساد والملابس الضيقة، والمظاهر الملفتة، والحوارات السطحية، في سبيل تحقيق الشهرة السريعة، وتحقيق آلاف المشاهدات، دون أي محتوى حقيقي يثري العقول أو يضيف قيمة للمجتمع.
ومع انتشار هذا النوع من البلوجرات، تراجع الذوق العام وبدأت فتيات صغيرات في تقليد هذا النموذج المزيف من “النجاح”، حتى أصبحت الشهرة نفسها هدفًا، بصرف النظر عن الوسيلة.
“خليها تنضف”.. مش ضد الحرية، لكنها مع المسؤولية
انطلقت حملة “خليها تنضف” من قلب المجتمع، كصرخة اعتراض على هذا الانحدار الأخلاقي والإعلامي، الذي غزا صفحات التواصل الاجتماعي. الحملة لا تستهدف حرية التعبير، ولا ترفض وجود بلوجرات أو محتوى نسائي، بل بالعكس، تدعم المرأة التي تُعبّر عن نفسها وتحكي قصصها وتُقدّم محتوى مفيد. لكن، الفرق كبير بين التعبير وبين الابتذال، وبين الحرية وبين الفجور الرقمي.
“خليها تنضف” تطالب بوضع ضوابط للمحتوى، وتدعو المجتمع لأن يمارس دوره في المقاطعة الواعية لكل محتوى هابط، وتشجيع المحتوى الهادف. تطالب البلوجرات أن يتحملن مسؤولية ما ينشرنه، لأن ما يُقدم على هواتف الناس ليس “حرية شخصية”، بل مادة تؤثر في الوعي الجمعي والذوق العام، وقدوة -سواء سلبية أو إيجابية- لفتيات في سن التكوين.
لماذا البلوجرات بالتحديد؟
ربما لأن الغالبية من متابعي البلوجرات هنّ من الفتيات والمراهقات، وهو ما يضاعف من خطورة ما يُقدمنه من صورة مشوهة عن الحياة، المرأة، والنجاح. فبدلاً من أن تظهر المرأة كعقل مفكر أو صوت ملهم، أصبحت في بعض النماذج مجرّد جسد مستعرض أو فتاة تتحدث عن المكياج والعلاقات الشخصية بطريقة غير مسؤولة، بل وفي أحيان كثيرة بشكل فاضح.
وللأسف، وسائل الإعلام التقليدية ساهمت في تضخيم هذه النماذج، فبدأنا نراهم كضيوف في البرامج، وكأنهم قدوة أو رموز.
أين دور الأسرة؟ وأين الرقابة المجتمعية؟
الحملة تسلط الضوء أيضًا على دور الأسرة في متابعة الأبناء، وعدم تركهم ضحية لمحتوى لا يليق. كما تدعو إلى دور أكبر للجهات الرقابية على السوشيال ميديا، من خلال تطبيق قوانين تنظيم المحتوى، وعدم ترك هذا الفضاء فوضويًا دون أي تدخل، بحجة الحرية.
فهل نترك أبناءنا وبناتنا يتربون على نماذج مشوهة؟ هل نعتبر السوشيال ميديا واقعًا لا يمكن تغييره؟ أم نقول بصوت واحد:
“خليها تنضف.. كفاية إسفاف، كفاية استعراض، كفاية سقوط أخلاقي”
البلوجر مش عدوتنا.. المحتوى الهابط هو العدو
لا نستهدف البلوجرات كشخصيات، ولا نعمم، فبينهن كثيرات مبدعات ومحترمات وملهمات، قدمن محتوى حقيقي ومفيد. لكن المشكلة في النموذج الفارغ الذي يُروج له، والذي أصبح مع الأسف هو الأكثر شهرة.
“خليها تنضف” ليست حملة كراهية، بل هي حملة وعي، هدفها الارتقاء بما يُنشر ويُشاهد ويُقدّم، حفاظًا على ما تبقى من الذوق العام، وحماية لأجيال تنشأ على ما تشاهده.
وأخيرآ
لا تصفقوا للهابط، لا تنشروا التفاهة، لا تجعلوا من التافهين نجومًا.
ادعموا كل بلوجر أو صانع محتوي يقدم شيئًا له قيمة.
الترند لا يعني النجاح، والضجيج لا يعني الأثر.
“خليها تنضف”… من أجل مجتمع أكثر وعيًا واحترامًا
![]()

