بقلم د.محمد عبد العزيز
لا يستطيع أحد عاقل على وجه البسيطة في الشرق أو الغرب أن يرفض الحرية المسئولة التي لا تضر بحريات الآخرين ولا تضر بالمجتمع والدولة ككل كما لا يستطيع كذلك أيضا أن يرفض عاقل على وجه البسيطة محاولة تلافي أي قصور في الخدمات الأمنية وكافة الخدمات المدنية سواء الطبية أو التعليمية أو غيرها حتى يحصل أي مواطن في أي دولة على كامل حقوقه الإنسانية كاملة وبشكل لائق قبل حصوله على حقوقه السياسية والاقتصادية في المواطنة وإذا كانت منظمات المجتمع المدني الدولية تناقش قضايا حقوق الإنسان من منطلق نقل الخبرات إلى الدول كافة دون تحيز لتساعد كافة الدولة في الارتقاء بمستوى الإنسانية دون أي تمييز فلا شك أن الجميع سوف يتقبل ذلك ويسعى لتوطيد العلاقات مع تلك المنظمات بهدف الاستفادة من الخبرات والتجارب المتراكمة لديها من كافة الدول لكن استخدام ملف حقوق الإنسان للضغط على دولا بعينها لإضعاف تلك الدول أو لتحقيق موازنات سياسية لصالح دول أخرى فهذا بالقطع أمر مرفوض تماما ولا يمكن أن يقبل به أحد في أي دولة حول العالم .
ولقد عانت مصر كثيرا منذ ثورة 25 يناير سواء من خلال الانفلات الأمني وما تسبب فيه من تزايد التدخلات الأجنبية والمنظمات الدولية التي تعمل تحت مظلة حقوقية وهي تخطط لتقسيم مصر إلى عدة دويلات وصولا إلى صعود تجار الدين إلى الحكم ثم ثورة الشعب عليهم في 30 يونيو ومنذ ثورة يونيو ونحن نحارب الإرهاب داخل مصر وفي كافة الدول العربية المحيطة بنا التي يتخطفها الإرهاب والصراعات الطائفية والاقتتال الداخلي وفي ظل كل ذلك مصر تقوم بعمليات بناء وإصلاح اقتصادي للنهوض بمستوى الدولة والفرد المواطن بها فنحن في مصر لدينا عدة أولويات أمن قومي تتمثل في ما يلي :-
. أولوية الحفاظ على وحدة أراضي الدولة
. أولوية الحفاظ على الشعب المصري نسيج واحد
. أولوية مساعدة جيراننا وحمايتهم من الانزلاق
إلى الهاوية وحالة اللا دولة
. أولوية التصدي للإرهاب بالسلاح وبالفكر المستنير
. أولوية تنمية الدولة ورفع مستوى كافة الخدمات بها
. أولوية تحقيق مستوى أعلى من الشفافية والعدالة الاجتماعية عما كان عليه الوضع في عهود سابقة
ومن الجدير بالذكر أن كل هذه الأولويات تحققت بشكل كبير جدا وبشهادة المؤسسات الدولية وفقا لارتفاع مؤشرات الشفافية والتدقيق والمحاسبة ومكافحة الفساد وتطور البنية الأساسية والطرق وغيرها من مؤشرات تدلل على أن مصر لا توجد لديها انتهاكات لحقوق الإنسان وأن حالات الاختفاء القسري المزعومة لا وجود لها وأن كل المدانين قضائياً لديهم أنشطة معادية للدولة والدولة لا تتدخل في أحكام القضاء ولا تفرض محاكمات إستثنائية للمدنيين ولكن يحاكم الجميع أمام القضاء الطبيعي المدني رغم وجود قضايا تخابر وتآمر على الدولة من تنظيمات محظورة وجمعيات تتلقى تمويل من الخارج بهدف إشاعة الفوضى في الداخل وهي قضايا أمن قومي بالدرجة الأولى ولقد شهدنا في كافة دول العالم أن أولويات الأمن القومي تسبق أولويات حقوق الإنسان وهذا ما حدث في احتجاجات السترات الصفراء بفرنسا وفي احتجاجات الأمريكيين الأفارقة بعد مقتل الشاب “فلويد” على يد أحد رجال الشرطة الأمريكية .
لذلك كان الرد سريعا على تصريحات البرلمان الأوروبي حول ملف حقوق الإنسان في مصر ويجب أن يأتي الرد سريعا دائما على مثل تلك التصريحات وتفنيدها كلمة كلمة ويُفضل أن يكون الرد بعدة لغات أجنبية مع توضيح كامل من مؤسسات الدولة المصرية لحقيقة الوضع الحقوقي في مصر وحقيقة التحديات التي تواجه الدولة المصرية وحقيقة الانجازات التي تحققت في مصر خلال السنوات الأخيرة وهذا ما أكد عليه البرلمان المصري من أن قرار الاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان في مصر به مغالطات وبأنه غير مقبول ومُسيس ولا يلائم الشراكة المصرية الأوروبية وطالب البرلمان المصري البرلمان الأوروبي بعدم تنصيب نفسه وصياً على مصر وسبق أن وجه الرئيس السيسي ردا على أسئلة الصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عقد له مع الرئيس ماكرون أثناء زيارة الرئيس السيسي لفرنسا وقال الرئيس السيسي عدة أمثلة للدول التي تعاني من الإرهاب ولا تقدر على مواجهة الإرهاب ومعظمها دول جوار لمصر بينما استطاعت مصر التصدي للإرهاب والتصدي للأطماع التركية الأردوغانية بهدف التوسع على حساب الدول العربية وبغرض التوسع في البحر الأبيض المتوسط طمعا في الغاز الطبيعي المكتشف فيه فهذا التصدي هو حماية للأمن القومي وحماية لحقوق الإنسان ذاتها فبدون بقاء الدولة قوية متماسكة لن تكون هناك أية حقوق للإنسان وهذا يتضح من الوضع في العراق وسوريا واليمن وليبيا وافغاتستان والعديد من الدول حول العالم .
وتجدر الإشارة إلى توقع الخبراء والمحللين أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن قد بدأت بالفعل الضغط من جديد لمحاصرة مصر سياسيا والحد من التعاون العسكري معها وخفض تصدير السلاح لها سواء من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها فهذه هي السياسة الأمريكية تجاه مصر في عهد الرئيس أوباما الذي كان بايدن نائبا له ومن الجدير بالذكر أيضا الإشارة إلى أن عالم السياسة عالم متناقض فقد يساعدك عدوك لتصد عنه أطماع طرف ثالث ثم فجأة يبدأ في التخلي عنك لأنه لا يريد لك أن تتجاوز الحد المسموح به من القوة والاستقرار فتصبح تهديدا له وذلك يفسر بوضوح الانقلاب المفاجيء في الموقف الأوروبي بعد وصول بايدن للحكم وبعد أن استطاعت مصر تنويع مصادر التعاون التقني وتنويع مصادر التسليح خاصة مع أوروبا في غياب كبير للدعم الأمريكي وبعد الحديث عن صفقات تعاون وتسليح جديدة مع فرنسا في أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس السيسي لفرنسا تعالت أصوات في إسرائيل تطالب الولايات المتحدة بعودة تعاونها عسكريا مع مصر من جديد بعد أن أصبحت مصر تشتري كافة أنواع الأسلحة المتقدمة من أوروبا فجاء تبني البرلمان الأوروبي لقرار ينتقد حقوق الإنسان في مصر ليعرقل تقدم مصر في التعاون على مختلف الأصعدة مع الدول الأوروبية لا سيما فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهذا القرار يحقق عدة غايات أهمها :-
. الضغط على مصر بهدف التدخل في شئونها الداخلية
. الضغط على مصر في ملف اختفاء مؤكد لعدد
7 مصريين في ايطاليا والأمن هناك لم يتعاون بالقدر الكافي وفي ذات الوقت يطالبوا مصر بالكشف عن ملابسات قضية مقتل الشاب الايطالي “ريجيني”
. الضغط على مصر في ملف المطالبة بالقطع الأثرية المنهوبة والمهربة إلى أوروبا خاصة المهربة إلى ايطاليا أثناء فترة الانفلات الأمني وما تلاها .
. الضغط على مصر لتجد نفسها مضطرة مرة أخرى لمعاودة التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية من جديد بعد التلويح بتوقف صفقات التسليح مع الجانب الأوروبي .
. الضغط على مصر في عدة ملفات أهمها حل الدولتين والقدس في القضية الفلسطينية وملف دعم مصر لليبيا والتصدي للأطماع التركية والإرهاب في المنطقة بحيث يجد الإرهابيين الملاذ الآمن لهم في الدول العربية خشيةً من أوروبا في هجرة الإرهابيين إلى دول أوروبا .
مما سبق يتضح أن الأمر مُسيس تماما ووفقا للأهواء ودون أي تقدير لما تم إنجازه على أرض الواقع في مصر في السنوات الأخيرة خاصة في مجالات دعم وتمكين المرأة ودعم وتمكين الشباب وهو ما يتضح في ارتفاع تمثيل الشباب وتمثيل المرأة في البرلمان المصري بشكل كبير جدا بالإضافة إلى دعم محدودي الدخل والقضاء على العشوائيات وتوفير خدمات طبية لائقة لجميع المواطنين في حملات 100 مليون صحة وبداية تطبيق برنامج تأمين طبي تكافلي لجميع المواطنين ، أليست كل تلك الأمور تندرج تحت حقوق الإنسان ؟ أم أنه يجب أن تكون حقوق الإنسان لصالح الإرهابيين والتنظيمات المحظورة التي تعادي الدول والأنظمة العربية فقط ؟
أن تلك الجماعات والمنظمات الإرهابية تهدد بقاء واستقرار مصر والدول العربية ويأتي ذلك التهديد على حساب السواد الأعظم من أبناء الدول العربية فمن الطبيعي أن مصلحة الوطن ومعظم أبنائه مقدمة على مصلحة الخارجين على القانون ولم يثبت أي انتهاكات في السجون ضد المدانين في قضايا التخابر والأضرار باستقرار ومصالح الوطن والمواطنين في مصر فلماذا هذا الإنقلاب المفاجيء في الموقف الأوروبي تجاه مصر بعد وصول بايدن للحكم وبعد مطالبة إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية بمعاودة التعاون العسكري مع مصر وبعد مطالبة مصر ايطاليا باسترداد الآثار المنهوبة والإفادة حول اختفاء 7 مصريين في ايطاليا ، لماذا ؟!