كتبت.. سحر عبد الفتاح
تعرض الشاعر محمد الشحات منذ إصداره ديوانه الأول الدوران حول الرأس
الفارغ عام 1974 حتى ديوانه السادس كثيرة هزائمى عام 1996 الى تجاهل نقدى
دفعه الى هجرة الشعر استمر سبعة عشر عاما حتى عام 2012 عندما أصدر ديوانه
السابع المترو لا يقف فى ميدان التحرير ، وواصل كتاباته ليصل الى الديوان
ال22 حتى الان، وشهد العامين الماضين اهتماما نقديا كبيرا بتجربة الشاعر
الامر الذى دفع بدار الادهم الى اصدارها عام 2000 كتاب نقدى ضم 32 دراسة
نقدية كتب مقدمته د. رمضان بسطويسي بمشاركة تقاد من مصر والجزائر وسوريا
والعراق ،ويشهد هذا العام صدور كتاب مرايا الشعر .. مرايا النقد تحولات
التجربة الشعرية لدى محمد الشحات بمشاركة 38 ناقدا من ثمانى دول عربية هى
مصر ، اليمن ، المغرب ، تونس ، العراق ، سوريا ، فلسطين ، السعودية ،
وقام بتقديم الكتاب وإعداد دراسة مطولة عنه الدكتور أيمن تعليب أستاذ
النقد المعاصر بجامعة السويس والعميد الأسبق لكلية الآداب، واختتم
الكتاب بدراسة الدكتور ابو اليزيد الشرقاوى أستاذ الأدب بكلية دار العلوم
جامعة القاهرة ، ليصل عدد الدراسات النقدية التى كتب عنه 79 دراسة نقدية
فى عامين .
. شارك في هذا الكتاب من النقاد المصريين والعرب د. ماجد قائد ، ود. احمد
فرحات ، و أمجد مجدوب رشيد ، الدكتورة فطنة بن ضالي ، د. احمد الباسوسي
،د.عزة بدر ، الشاعر والاعلامى محمد الكفراوى ، د. محمد سمير عبد السلام
الناقد والشاعر حاتم عبدالهادى السيد ،د. بهاء درويش ، الدكتور أصيل
الشّابي، الناقد د. أيمن حماد الشاعر سفيان صلاح هلال ، محمد صالح محمد
تقي ، أحمد فاضل ، والشاعر الصحفى محمود مطر ،د. أسماء عطا جاد الله ،
الناقدة هبه السهيت ، د. عصام شرتح ،الدكتورعصمت محمد أحمد رضوان الناقد
د. خالد البوهى د. أبو المعاطي الرمادي ،الشاعر بهاء جاهين الناقد
منوبية الغضباني ، د. عبد الله كراز ، الشاعر الدكتور محمد شحاته ،
الناقد والشاعر عاطف الحناوى ،الدكتور محمد الحداد ،الشاعرة تقى المرسى
، الشاعر أشرف دسوقى ، الناقد مسعد بدر ، د. محمد زيدان الناقد صلاح
بوزيّــان الشاعر والاعلامى إبراهيم محمد حمزة ،الناقد الدكتور د.خالد
محمد عبدالغني ، د . بهاء حسب الله .
يقول د. تعليب فى تقديمه للكتاب ، إنه لمن دواعي سروري أن أقدم لهذه
الأعمال النقدية المخلصة التى كتبها فريق من النقاد الجادين عن شعر
الشاعر محمد الشحات،لقد قرأتها واستمتعت بها وأفدت منها إلى حد كبير
لأنها كشفت عن وجه من وجوه الشعرية العربية الأصيلة،لكن عند قرائتى لهذه
الأعمال التى تنوعت تنوعا نظريا وتطبيقيا وجماليا كبيرا وجدتنى محاصرا من
جديد بين معاناتى الخاصة مع شعر الشاعر وما كتبه السادة النقاد
الأجلاء،فرأيت أن أقدم وجهة نظر نقدية خاصة بى فى شعرية الشاعر وقد أطلقت
على هذه الشعرية (شعرية التحليق فى التراب)، لست أدرى لماذا عندما برق
فى ذهنى هذا التوصيف الشعرية الشاعر فرحت به فرحا عظيما كأننى عثرت على
المفتاح السرى لهذا العالم الشعرى الماتع لدى الشحات.لذلك وجدتنى رغم
قراءتي لهذه الدراسات فى حاجة إلى أن أضع بعض الخطوط العريضة حول شعرية
الشاعر حتى أستبين موقعها الجمالي من المشهد الشعرى العربى المعاصر.
ويضيق تعليب إن شعرية محمد الشحات شعرية العفوي تفيض باللطافة واللدانة
والعذوبة ومن هنا كان سر السحر فيه، وقدرته الفائقة على التأثير فى
النفوس والعقول فكأنه أنفذ من نفث السحر فى متلقيه وقرائه،ولعل هذه
الغنائية الذاتية مقرونة بالغنائية الجمعية تذكرنا بهذا القران القديم
لدى النقاد والشعراء القدامى بين الشعر والسحر والرقص والغناء حتى اختلط
مفهوم الشعر لديهم بمفهوم الغناء.
إن شعرية محمد الشحات شعرية الطبع المصقول لا شعرية الفكر الجاهد
والثقافة المرهقة الموغلة فى تجريبيتها وغموضها التى تقطع مع واقعها
وموروثها الجمالى بصورة قاسية مثل معظم مجايليه من شعراء السبعينيات،لقد
آثر الشاعر أن يغنى قريبا من واقعه وتاريخه لذلك كان غزير الانتاج قريب
المأتى إلى أرواح متلقيه،ولايستسهلن أحد ما نقصده هنا بالطبع المصقول ولا
السهولة العذبة بل كلاهما جهد جمال ومعرفى مركب،وقديما كان الطبع لازمة
من لازمات الفحولة الشعرية القديمة ونحن نجد فى جميع دواوين محمد الشحات
هذه السماحة الشعرية الفياضة وهذا الاقتدار التشكيلى والتلقائية المحكمة
الذى مكنه من سوق الألفاظ والصور والتراكيب فى طزاجة شعرية غضة تفيض
بالجمال والخيال والإيحاءات الملونة، شعرية الشحات تفيض فيضا ولاتنبنى
انبناء فلا تحس علي جسد نصوصه طول التفتيش ولارشح الجبين كما يقول
القدماء ولا يعنى هذا أبدا الضحالة ولا الابتذال ممن انخدعوا بهذه
التلقائية المحكمة ففسدت أذواقهم وسمجت حواسهم بل يعنى الاقتدار العفوى
المحكم والسهل الممتنع والبساطة العميقة النافذة.
إن الصعوبة والإلغاز يستطيعهما كل أحد أما السهولة المحكمة الفياضة فلا
يقدر عليها إلا أولو العزم من الشعراء والشحات واحد من هؤلاء.إنه يكتب
مثلما يتنفس،يكتب بعد أن يهضم ويعتصر ويتمثل كما يتمثل الشجر شعاعات
الشمس فيحيلها نسغا حيا أخضر يسرى فى العروق والغصون والثمار.
أما السمة الثانية الغالبة على شعرية محمد الشحات فهى سمة التطريب،ويجب
ألا تخدعنا سمة التطريب الغالبة على عالمه لأن هذا الزخم الصوتى مترع
بالقيم الفكرية والتأملية والفلسفية إلى أقصى حد ومن ثمة كانت الإيقاعية
فى نصوصه لاتعنى الشفاهية السمعية كما وهم كثير من النقاد بل تعنى موسقة
الفكر وتنغيم الكيان الإنسانى برمته فهى تركيبة شعرية معقدة محكمة انضفرت
فيها الذاتية الغنائية بالغنائية الجمعية مما عمق من خصوبتها الإيقاعية
المعقدة فى نصوصه سواء من جهة الألفاظ والتراكيب والدلالات وسائر مستويات
التشكيل فى النص حتى أحالت نصوصه إلى لوحات تشكيلية سمعية فكرية محكمة
تمور بإيقاعات الذهن والأذن والعين واللمس والصور،خالطة وجدانه الذاتى
بالوجدان الجمعى العام.
ولعل الشحات يتفوق على زملائه السبعينيين من هذه الجهة فقد أولوا جماليات
الكتابة مغامرات التجريب القدح المعلى فى نصوصهم حتى أوغلوا فى الانفصال
الحاد مع الموروث الجمالى والمعرفى العربى فوقع معظمهم فى الغموض الثقافى
الموحش المجرد والألغاز التشكيلية التجريبية المرهقة فباعدوا بين نصوصهم
ونسقية اللغة العربية من جهة وموروثهم الجمالى والتاريخى من جهة أخرى فلم
يولوا حساسية المتلقى العربى أى حسابات تذكر فجاءت حداثتهم الشعرية
المفرطة على حساب الارتكازات العميقة للشعرية العربية والجمهور
العربى،فبادلهم الجمهور العربى خصاما بخصام،حتى لو تعلل هؤلاء نقادا
وكتابا بتطوير الشعرية العربية غير أن حداثهم كانت موغلة فى انفصالاتها
التصويرية والسمعية والدلالية مفرطة فى انزياحاتها الشعرية والأسلوبية
محدثة هذه الإسنادات الأسلوبية الحادة مما أوقع شعريتهم فى هوى التشظى
والانقطاعات اللغوية والإيقاعية الصادمة للواقع والقارىء العربى لذا لم
تحقق فى نظرى أغراضها الجمالية والحضارية فى الترقى بروح اللغة من جهة
وبذوق المواطن العربى من جهة أخرى.
ويضيف د. تعليب لكن مغامرة محمد الشحات كانت لاتنتمى إلى الموغلين فى
الانفصال اللاتاريخى الشكلى ولا إلى الموغلين فى الاتصال التاريخى
الوهمى،بل كانت شعرية محسوبة منضبطة تتلاعب بالأنساق اللغوية والجمالية
السائدة تلاعبا عاطفيا وفكريا محكما فتراها قريبة بعيدة فى آن فهى
السهولة الممتنعة والتلقائية المحكمةحتى لنرى الشاعر يعلى عن اقتدار ووعى
من الحس السمعى الإنشادى دون التخلى عن شروط التشكيل الجمالى الرفيع فلا
يجد القارىء العربى فى شعره هذه الخلخلة الإسنادية المفرطة ولاهذه القلقة
الجمالية والدلالية الصادمة سواء من جهة اللفظة أو التركيب أو البناء بل
كان الشاعر يتحول بالذوق العربى السائد تحولات ممكنة رشيقة عذبة متكاملة
العلاقات متناغمة الأصوات دون أن يغدر بمنطق اللغة السائدة غدرا عنيفا.