بعد أن أدمى القيد الأمريكي معصم كثير من دول العالم وقلبه أيضا ترفع هذه الدول الآن شعار السيدة أم كلثوم ( إنني أعطيت ما استبقيت شيئا ) فلم يعد لتلك الدول ما تقدمه لأمريكا بعد أن استنزفت ثرواتها وخيراتها , أمريكا التي استعبدت العالم على مدار العقود الثلاثة الماضية بلا ضمير ولا إنسانية ومارست كل أشكال الاستبداد بعد تغليفه بغلاف جميل اسمه الديمقراطية
ترى هذه الدول الآن أن الظرف التاريخي مهيأ لسقوط تلك القوة الغاشمة وإنهاء سيطرتها .
في حين لم تتوان أمريكا في الضغط على كل دول العالم شرقا وغربا الكبير منها والصغير للانضمام إلى معسكرها في حربها مع روسيا لإحكام السيطرة في تنفيذ العقوبات وإغلاق كل الأبواب التي يمكن أن تتنفس منها روسيا اقتصاديا ،
لأن أمريكا تدرك جيدا أن خروج روسيا من هذه الحرب منتصرة يعني إنهاء سطوتها العسكرية وهيمنتها الاقتصادية ونفوذها السياسي وتدرك أن سقوط حبة واحدة من حبات العقد يتبعه إنفراط جميع حباته .
تمارس أمريكا تلك الضغوط بكل أوراقها التقليدية مثل الضغوط السياسية أو الضربات الاقتصادية أو الابتزاز بتهديد الأمن القومي أو تقليب الشعوب والاضطرابات الداخلية وصناعة الأزمات
ومن تلك الضربات الاقتصادية ما فعله الفيدرالي الأمريكي من رفع الفائدة البنكية إلى 20 % الأمر الذي أحدث هزات عنيفة بكل الاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر التي تم سحب 14 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية بها في غضون أيام قليلة واستطاع الاقتصاد المصري امتصاص هذه الهزة بثبات واتزان وبمساعدة الأشقاء العرب ،
والأخطر أن أمريكا تخطط لرفع سعر الفائدة عدة مرات خلال هذا العام والعام القادم
أما روسيا التي قررت أن تسقي الجميع من أي كأس تشرب منه فتلعب بورقة الوقت التي يمكن أن تمنحها هدية من الهدايا الآتية : –
الهدية الأولى : انشقاقات في صفوف الغرب نتيجة ضغط الشعوب بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية ورفع الأسعار وهو أمر غير مستبعد خاصة في حال فوز ( مارين لوبان ) مرشحة الانتخابات الفرنسية التي ستقام في يوم 24 من شهر أبريل الجاري
الهدية الثانية : تكوين نواة صلبة من الدول المؤيدة لها والمعارضة للهيمنة الأمريكية واصطفافها صفا واحدا في وجه الغرب بشجاعة
الهدية الثالثة : تحرك الصين التي تراقب الأوضاع عن كثب بهدوء وحكمة – والتي تطلب منها أمريكا الانحياز إلى الجانب الصحيح من التاريخ في حين أن الصين تريد أن تصنع تاريخا جديدا – تترقب الصين فرصة سانحة لتضرب ضربة قاضية أو على الأقل تدخل الملعب من أبواب واسعة أو بأوراق كثيرة تضمن لها الخروج منتصرة
باختصار إن ما يحدث الآن على الساحة الدولية هو اصطفاف وتمركز وإعادة تموضع استعدادا للمعركة الكبرى .