عقد معهد التخطيط القومي ورشة عمل بالتعاون بين وحدة النمذجة بالمعهد والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية IFPRI حول ” أسعار الغذاء والفقر والأنظمة الغذائية للأسر المعيشية” كجزء من المبادرة التى أطلقتها المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية CGIAR مع شركاء وطنيين ودوليين حول السياسات والاستراتيجيات الوطنية (NPS).
وتناولت ورشة العمل عددًا من الموضوعات التي ركزت على تأثير الأزمات العالمية كجائحة كوفيد 19، والأزمة الروسية الأوكرانية على أسعار الغذاء، وعلى الفقر، والأنظمة الغذائية للأفراد من خلال عدة دراسات حديثة، والوصول إلى نتائج تهدف لمساعدة صانعي القرار المعنيين بشأن الحماية الاجتماعية والاستجابة للأزمات.
وفي هذا الصدد، أكدت أ.د هالة أبوعلى نائب رئيس المعهد لشئون البحوث والدراسات العليا على حرص المعهد انطلاقاً من دوره الوطني على المساهمة في صياغة سياسات واستراتيجيات من شأنها مساعدة صانعي القرار على اتخاذ التدابير اللازمة لإدارة الأزمات ومواجهة الصدمات على كافة الأصعدة، وفي شتى المجالات. وأشارت إلى أن العالم يشهد ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الخدمات والسلع، مما أدى إلى اضطراب في سلاسل الإمداد، وارتفاع معدلات التضخم في العديد من دول العالم ومنها مصر، مما يؤثر على التنمية، والمستويات المعيشية وخصوصاً للأسر الفقيرة.
فيما أكد الدكتور شانينج أرندت Channing Arndt مدير أول استراتيجيات التحول بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية /CGIAR IFPRI حرص المعهد على مواصلة العمل مع مصر، من خلال مبادرة أبحاث السياسات والاستراتيجيات الوطنية وعبر مكتب المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في القاهرة سعياً نحو دعم تطوير نظام نمذجة الاستشراف والاستجابة السريعة (FARRMS) وذلك من خلال التعاون الوثيق مع معهد التخطيط القومي في المشروعات البحثية ذات الأهمية الوطنية والدولية كتطبيق إطار “التغذية كحاجة أساسية”. كما أشار إلى أن تتبع تكاليف النظام الغذائي وجودته أمرٌ في غاية الأهمية سواء من حيث عدد السعرات الحرارية والجودة، وإمكانية الحصول عليه، مشيراً إلى أن جودة النظام الغذائي تعتمد على توافر الأطعمة الصحية وتكلفتها والقدرة على تحمل تكاليفها.
وفي إطار الحديث عن أسعار ودعم الغذاء وانعكاساتها على الاقتصاد والأسرة في مصر، أشار الدكتور إبراهيم عشماوي نائب وزير التموين والتجارة الداخلية إلى دور الحكومة المصرية في توفير السلع الأساسية والاستراتيجية سواء في إطار منظومة الدعم أو خارجه، وخصوصاً في ظل اضطراب سلاسل الإمداد، والتغيرات التي تشهدها الساحة العالمية، وأنها تتخذ الأدوات الاقتصادية المناسبة حيال أية مشكلة تتعلق بالأسواق، مشيراً إلى دورها في خفض أسعار العديد من السلع في الفترة الأخيرة (مثل الذهب، والأرز، والذرة الصفراء)، مشدداً على أن منظومة السلع في مصر مستقرة، ولا نية لدى الحكومة لإلغاء الدعم أو خفضه خصوصاً في الفترة الحالية.
فيما استعرضت الدكتورة مريم رؤوف مدير وحدة النمذجة بمعهد التخطيط القومي، وباحث أول بالمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية IFPRI النتائج الأولية لورقة بحثية حول تخفيض سعر الصرف وانعاكاساته على الاقتصاد المصري، مشيرة إلى أن الصدمات التي مر بها العالم أحدثت نوعاً من الانخفاض في الإنتاج وانخفاض معدل الطلب العالمي، وبالتالي أثر ذلك في نمو الاقتصاد المصري، كما أشارت إلى أن بعض الصناعات قد تستفيد من عملية خفض الجنيه والبعض الآخر سيتضرر من ذلك، وأن قطاعات التشييد والبناء جاءت على رأس القطاعات الأكثر تضررًا مقارنة بالقطاعات القابلة للإتجار، فضلًا عن تزايد معاناة الأسر الفقيرة أكثر من الأسر الغنية.
وأوضحت الدكتورة حبيبة حسن واصف رئيس اللجنة الوطنية لعلوم التغذية أن المقصود بالأمن الغذائي ليس فقط توافر الغذاء أو القضاء على الجوع، وإنما الهدف منه تحسين جودة رأس المال البشري، لأن هذا الهدف عام ووطني. وفيما يتعلق بالتثقيف الغذائي شددت على ضرورة رفع الوعي الغذائي، ومحو الأمية الغذائية للإقبال على خيارات غذائية صحية ووضع سياسة واضحة من قبل الدولة كي يتم الاسترشاد بها، ووضع برامج للتعامل مع أزمة الغذاء، وتحسين الوضع الغذائي للمصريين في ظل التوجه الحكومي لترشيد الإنفاق.
وأشارت الدكتورة شيرين الشواربى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة خلال ورشة العمل إلى العلاقة بين الدعم الغذائي وتخفيف الفقر في مصر في سياق الأزمات، كما أشارت إلى التحديات الحالية والمتمثلة في أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة والتضخم وآثارها بعيدة المدى على الاقتصاد المصري والأسرالمصرية. كما تطرقت إلى أنه يمكن جعل دعم المواد الغذائية أكثر فعالية في التخفيف من تأثير أزمات الغذاء والتضخم من خلال الجمع بين الدعم وتدابير تثبيت الأسعار، وذلك من خلال زيادة الاحتياطيات الغذائية الاستراتيجية والتدخلات في السوق بما يسهم في التخفيف من تقلبات الأسعار، وعملية المراقبة والتقييم، وكذلك إنشاء أنظمة توزيع شفافة وفعالة لتقليل التسرب وضمان وصول المواد الغذائية المدعومة إلى المستفيدين.
ومن جانبها أضافت الدكتورة إيمان حلمي خبيرة الاقتصاد بالبنك الدولي أن الحكومة المصرية اتخذت عدة تدابير في ظل ارتفاع معدلات التضخم ونسب الفقر منها رفع المعاشات والرواتب، وزيادة عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، بالإضافة إلى زيادة قيمة الدعم المقدم من خلال البطاقات التموينية، لتقديم الدعم اللازم للفقراء والعمالة غير المنتظمة ومحدودي الدخل وخاصة في ظل ارتفاع موجات التضخم وما صاحبه من انخفاض القوى الشرائية، مشددةً على ضرورة الزيادة في البرامج الداعمة للتغذية، والتحديد الواضح لآلية استهدافها.
وحول ديناميكيات تجارة القمح والأسمدة أوضح الدكتور محمد زكريا أستاذ بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي أن الدولة المصرية في الفترة الأخيرة قامت بإنجاز العديد من المشروعات الزراعية الكبرى كمشروع الريف المصري بحوالي 1,5 مليون فدان، فضلاً عن مشروع التوسع الزراعي القومي بسيناء بحوالي نصف مليون فدان، ومشروع الدلتا الجديدة بحوالي نصف مليون فدان، ومشروع توشكى بحوالي 650 ألف فدان، وذلك في إطار استراتيجية مصر 2030، وإطار التوسع الرأسي والخدمات الداعمة، كما قامت الدولة بتطوير الخدمات الإنشائية وبناء مزيد من الصوامع، وتشجيع تقنيات الزراعة الجديدة.
وبشأن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في حل أزمة الغذاء، ذكر الدكتور كلمنز بريسنجر Clemens Breisinger مدير البرنامج الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ورئيس مبادرة NPS CGIAR، إلى أن الورشة خرجت بعدة توصيات هامة تمثلت في ضرورة توسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتعزيز النظم الغذائية، ودعم الاستثمارات، وهو نفسه ما توصلت إليه تطبيقات الذكاء الاصطناعي حيث تقوم تلك التطبيقات بتلخيص الخبرات والمعارف وتقوم بإصدار توصيات بناءً عليها، مما يعزز من إمكانية استخدامها في صياغة السياسات وتحديث الاستراتيجيات. كما أشار إلى أنه يمكن تطويع خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحديد مخزون يلجأ إليه عند الرغبة في وضع سياسة معينة، كما أكد على ضرورة التفاعل بين العلوم والذكاء الاصطناعي للمساهمة في تحسين السياسات وجعلها أكثر كفاءة وفاعلية.