كتب سامي عطية
تواجه المواطنين يوميًا تحديًا مستمرًا مع الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، مما يجعل مسألة ترشيد الإنفاق العام، لا سيما في المؤسسات التي لا يشعر المواطن بجدواها المباشرة، ضرورة ملحة. وفي خضم النقاش حول ذلك، تتجه الأنظار غالبًا إلى المؤسسات التشريعية والنيابية، مثل مجلس النواب، حيث يثار تساؤل أساسي: هل تعتبر تكاليف هذه المجالس هدرًا لملايين الجنيهات التي يمكن تخصيصها بشكل أفضل لمواجهة ظاهرة الغلاء؟
إن النظر إلى دور المؤسسة التشريعية من زاوية التكلفة فقط قد يكون تبسيطاً لمعادلة معقدة. ففي أي دولة حديثة، يمثل البرلمان الركن الأساسي للسلطة التشريعية والرقابية. فمن الناحية النظرية والدستورية، يتولى مجلس النواب ثلاث وظائف حيوية:
١- سلطة التشريع: سن القوانين التي تضمن العدالة، وتنظم الاقتصاد، وتحمي حقوق المواطنين.
٢ـ إقرار الموازنة العامة: الموافقة على خطة الإنفاق والإيرادات
للدولة بالكامل، بما في ذلك مخصصات الدعم، والصحة، والتعليم.
٣ـ الرقابة على الحكومة: تطبيق أدوات المساءلة مثل الاستجوابات والأسئلة لضمان قيام السلطة التنفيذية بتطبيق القوانين وإدارة موارد الدولة بكفاءة ونزاهة.
تتطلب هذه المهام بشكلٍ أساسي توفير ميزانية لتغطية رواتب ومكافآت الأعضاء والعاملين، بالإضافة إلى المصروفات الإدارية. ومن هنا، فإن وجود برلمان فعال لا يُعتبر عبئاً، بل يُمثل صمام أمان دستوري يضمن عدم انفراد السلطة التنفيذية باتخاذ القرار، ويتيح محاسبتها على سياساتها الاقتصادية.
لكن نقطة الخلاف لا تكمن في أهمية المؤسسة، بل في مدى كفاءة أدائها وفعاليتها في تمثيل مصالح المواطن. يشعر المواطن العادي بالإحباط عندما يرى ميزانية ضخمة تخصص للمؤسسة، بينما تظل مشاكله الاقتصادية الأساسية، وعلى رأسها التضخم وزيادة الأسعار، دون حلول جذرية أو رقابة فعالة على الأسواق.
في هذا السياق، يُعتبر تقليل نفقات البرلمان أمراً إيجابياً، إلا أن ذلك يُشكل جانباً ضئيلاً من الحلول الممكنة لمشكلة ارتفاع الأسعار. فإن معالجة أزمة الغلاء تتطلب بذل جهود أوسع بكثير، مثل:
كفاءة الإنفاق الحكومي الشامل: ينبغي تقليص الهدر والفساد في جميع قطاعات الدولة وليس مقتصراً على المؤسسات التشريعية.
السياسات الاقتصادية الكلية: يتوجب اتخاذ قرارات جريئة لضبط سعر الصرف، وتعزيز الإنتاج المحلي، ومكافحة الاحتكار.
تفعيل الدور الرقابي: ينبغي أن يتحول المجلس من كونه جهة تقر القوانين والموازنات إلى هيئة رقابية فعالة تضغط على الحكومة لتغيير مسارها الاقتصادي لصالح الطبقات المتوسطة والفئات ذات الدخل المحدود.
![]()

