كتب…مجدي الشهيبي
في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، لا يكفي أن يكون الطب مجرد علم أو مهنة
بل يجب أن يكون ملاذًا وإنسانية، أملًا وحمايةً لكل مَن يعاني لكن للأسف، في كثير من الأحيان، نجد أن الطب يتراجع، والصحة التي يفترض بها أن تكون تاجًا على رؤوسنا، تصبح حلمًا بعيدًا، والوجع وحده هو الضيف الذي لا يغادر.
حين نقول “الطب غائب”، لا نعني غياب الأطباء أو المستشفيات، بل غياب الروح الإنسانية في ممارسة الطب، غياب العناية الحقيقية التي تحتاجها النفوس قبل الأجساد. وفي هذا الغياب، تتلاشى الصحّة، وتزداد الأمراض، وتتكاثر المعاناة. تصير الوجوه الشاحبة والصمت المؤلم شهودًا على نظام يفتقر للرعاية والاهتمام.
أما “الصحة غائبة”، فهي حالة تُشعر الإنسان بأنه في صراع دائم مع جسده، وكأنّ جسده صار سجنًا لا يفر منه. عندما تغيب الصحّة، تغيب معها القدرة على العيش بحيوية، وتفقد الحياة معناها وألوانها. يصبح المرض ليس مجرد حالة جسدية، بل معاناة نفسية وروحية.
أما الوجع، فهو حاضر لا يرحم. هو صوت الصمت الذي يخترق ليالي المرضى، هو السهم الذي يغرز في القلب بلا مبرر، هو الرسالة التي يرسلها الجسد ليذكرنا بضعفه واحتياجه. الوجع لا ينتظر، ولا يعترف بالزمان أو المكان، بل يبقى حاضرًا، ينمو، ويتجذر.
لكن وسط هذا الواقع المؤلم، هناك بصيص من الأمل. الأمل بأن يعود الطب ليكون إنسانًا، أن تتجدد قيم الرحمة والتفاني في تقديم الرعاية، أن تُعيد الصحّة بريقها إلى عيون المرضى، وأن يبتعد الوجع عن قلوبهم.
لا يمكن أن نعيش حياة كاملة وصحية إلا إذا توافرت الرعاية الحقيقية، والدعم النفسي، والاهتمام الإنساني. فالطب الحقيقي ليس فقط علاج الجسد، بل هو علاج الروح، وإعادة الأمل إلى القلب.
والإهمال الطبي رغم توافر الإمكانيات: وجع لا يرحم
في زمن تتطور فيه التكنولوجيا الطبية بشكل مذهل، ويتوفر الطب الحديث في كثير من الأماكن، لا يزال هناك واقع مؤلم يواجهه المرضى، وهو الإهمال الطبي. هذا الإهمال الذي يرافقه شعور عميق بالخذلان والوجع، رغم توافر الإمكانيات التي كان من المفترض أن تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة الإنسان.
الإهمال الطبي ليس مجرد تأخير أو تقصير في تقديم العلاج، بل هو غياب الرحمة والاهتمام الحقيقي بالإنسان. هو أن تجد نفسك في مستشفى مليء بالأجهزة الحديثة والأطباء المؤهلين، لكنك تشعر بأنك مجرد رقم أو حالة، لا أكثر. في مثل هذه اللحظات، يصبح الطب غائبًا رغم وجوده، وتغيب الصحّة رغم توفر أدوات العلاج، ويبقى الوجع حاضرًا بلا شفاء.
الإهمال الطبي يعكس خللًا في منظومة الرعاية الصحية، سواء كان ذلك بسبب ضغط العمل على الكادر الطبي، أو نقص في التواصل، أو قصور في النظام الإداري، أو حتى بسبب عوامل نفسية واجتماعية تؤثر على الأداء. هذا الإهمال يترك أثرًا عميقًا على المرضى وعائلاتهم، حيث لا يقتصر الألم على المرض فقط، بل يمتد إلى شعور بالخوف، بالخذلان، وبفقدان الثقة في المنظومة التي يفترض بها أن تحمي وتداوي.
رغم وجود الإمكانيات التي تقدم تقنيات علاج متقدمة، لا يمكن لهذه التقنيات أن تعوض عن فقدان الإنسان لرفيقته في رحلة الشفاء
الرعاية الحقيقية، الاستماع، والاهتمام. فالطبيب الناجح ليس فقط من يملك أدوات التشخيص والعلاج، بل هو من يملك قلبًا ينبض بالرحمة، وروحًا تهتم بالإنسان قبل المرض.
للأسف، لا يقتصر هذا الإهمال على مستشفي ديرمواس التخصصي فقط بل هو واقع يعيشه الكثيرون باغلبية الوحدات الصحية بقري بديرمواس
في النهاية، لا يمكن أن نُشفى جسدًا مريضًا إذا كان القلب ميتًا بالاهتمام، وإذا غاب الإنسان عن المعادلة. يجب أن يعود الطب إلى جذوره الإنسانية، وأن يكون شفاءً للنفس قبل الجسد، كي تزدهر الصحّة، وينكسر قيد الوجع الحاضر.
![]()

