للشاعر ـ الدكتور محمد سيد الدمشاوي
1.الحُبُّ والدِّينارُ ذَا خَصْمَانِ
يَتَصَارَعَانِ علَى مَدَى الأزْمَانِ
2.يَتَقَاتَلان كَأَنَّمَا لِكِلَيهِما
ثَأْرٌ يُحَتِّمُ قَتْلَهُ للثَّانِي
3.لا يَمْكُثَانِ مَعاً ، وإِنْ يَتَجَاوَرَا
فَهُمَا عَلَى عَجَلٍ سَيَفْتَرِقَانِ
4.خَصْمَانِ دَوْماً، لَيْسَ بَيْنَهُمَا رِضاً
وهُمَا عَلَى صَدٍّ وفِى هِجْرَانِ
5.فالمَالُ لا يُبْقِى عَلَى دَرْبِ الهَوَى
والحُبُّ فِـي دُنْيَا الشَّقَاءِ يُعَانِي
6.وحَكَى الزَّمَانُ لَنَا قَدِيماً قِصَّةً
فِيهَا لِذِى عَقْلٍ هُدًى وَمَعَانِ
7.أَفْضَى بِهَا السِّفْرُ القَدِيمُ لِكَيْ نَرَى
عَجَبَ الحَوَادِثِ عِنْدَ كُلِّ أَوَانِ
8.طِفْلَان كَانَا في زَمَانٍ سَالِفٍ
رَمْزاً لِكُلِّ مَحَبَّةٍ وتَفَانِ
9.طِفْلٌ كَمَا البَدْرِ المُنِيرِ ، وَطِفْلَةٌ
كَالشَّمْسِ فِي إِشْرَاقِهَا الفَتَّانِ
10.هُوَ مِنْ عُمومِ النّاسِ وهْيَ حَسِيبَةٌ
ومِن العَجَائِبِ يَلْتَقِي الضِدَّانِ
11.شَيءٌ مِن الرَّحْمَنِ أَودَعَ فِيهِمَا
حُبّاً فَرِيداً كَامِلَ الأَرْكَانِ
12.حُبّاً قَدِيماً سَرْمَدِيّاً طَاهِراً
مُتَفَرِّداً فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ
13.فَتَرَاهُمَا وَهُمَا يَسِيرَانِ مَعاً
رُوحاً تَقَاَسمَ أَمْرَهَا جَسَدَانِ
14.يَتَحَاوَرَانِ كَأَنَّ مِنْ لُغَتَيْهِمَا
لُغَةَ الطُّيُورِ ونَفْحَةَ الرَّيْحَانِ
15.فَإِذَا تَحَدَّثَ كَانَ كُلُّ حَدِيثِهِ
في أُذْنِهَا شَدْواً من الألْحَانِ
16.وإِذَا تَحَدَّثَتْ البُنَيَّةُ خِلْتَهُ
ثَمِلًا وفِى وَجْدٍ مِن التِحْنَانِ
17.عَذْبٌ حَدِيثُ فَتَاتِهِ وحَدِيثُهُ
نَبْعٌ يَفِيضُ بِعَالَمِ الوُجْدَانِ
18.كَانَا حَدِيثَ النَّاسِ فِي أسَمارِهِمْ
ويَقُولُ قَائِلهُمْ: هُمَا مَلَكَانِ!
* * *
19.وَطَوَى الزَّمَانُ عَلَى الطُّفُولَةِ صَفْحَةً
قَدْ سَطَّرَاهَا أُلْفَةً بِبَيَانِ
20.وَأَتَاهُمَا نُورُ الشَّبِيبَةِ سَاطِعاً
كَالشَّمْسِ حِينَ تُطِلُّ بالأَكْوَانِ
21.فَكَسَاهُ مِنْ حُلَلِ التَأَدُّبِ حُلَّةً
غُزِلَتْ بِكَفِّ الطُّهْرِ والإِيمَانِ
22.وحَبَاهُ عِلْماً رَاسِخاً وفَصَاحَةً
وشَجَاعَةً لَمْ تُعْطَ لِلفُرْسَانِ
23.أَمَّا الفَتَاةُ فَقَدْ حَبَاهَا مِنْ يَدٍ
لِلحُسْنِ لَيْسَ لَهَا مَثِيلٌ ثَانِ
24.حَسْنَاءُ، أَبْدَعَ خَلْقَهَا رَبُ السَّمَا
فِي كُلِّ شَيءٍ آيَةُ الرَّحْمَنِ
* * *
25.قَالَتْ لَهُ فِي مَرَّةٍ: مَنْ يَا تُرَى
تَرْضَى لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ مَكَانِي
26.لَوْ أَنَّ أَمْرَ اللهِ قَدَّرَ بُعْدَنَا
أَوْ كَانَ مَا لَا تَرْتَضِيهِ بِشَانِي ؟
27.أو أنَّنِي مَا كُنْتُ فِي هَذِي الدُّنا
كَيْ أَلْتَقِيكَ وَلَمْ تَكُنْ لِتَرَانِي
28.مَنْ يَا تُرَى يَهْوَى فُؤَادُكَ يَا فَتًى
قُلْهَا تُرِيحُ عَوَاطِفِي وجَنَانِي
29.بُهِتَ الفَتَى وكَأَنَّ شَيْئاً قَاهِراً
أَخَذَ الكَلَامَ ودُونَمَا اسْتِئْذَانِ
30.مُتَعَجِّباً أَنْ تَسْتَبِينَ عَنْ الَّذِى
قَدْ بَاتَ مَعْلُوماً بِلَا بُرْهَانِ
31.عَجَزَ الِّلسَانُ عَنْ البَيَانِ فَلَمْ يَزَلْ
يَرْنُو بِعَيْنِ مُتَيَّمٍ حَيْرَانِ
32.وَبَكَى ، وَصَارَ الدَّمْعُ بَيْنَ عُيُونِهِ
كَالبَحْرِ حِينَ طَفَا عَلَى الشُّطْآنِ
33.ضَحِكَتْ وَقَالَتْ: قَدْ فَهِمْتُ، وَلَيْتَنِي
مَا قَدْ نَطَقْتُ بِخَاطِرِي وَلِسَانِي
34.أَدْرِى هَوَاكَ ، وَلَيْسَ إِلا مُزْحَةً
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ هَكَذَا تَهْوَانِي
* * *
35.وَمَضَى الزَّمَانُ وَكَانَ فِي حَدَثَانِهِ
مَا يَصْدَعُ الأَرْوَاحَ بِالأَبْدَانِ
- صَنَعَ الوُشَاةُ صَنِيعَ مَكْرٍ مُحْكَمٍ
يَقْضِي عَلَى هَذَا اللِّقَاءِ الهَانِي - ذَهَبُوا إِلَى أَهْلِ الفَتَاةِ وَأَخْبَرُوا
كَذِباً وَفُحْشاً صِيغَ مِنْ بُهْتَانِ
38.حُجِبَ اللّقَا بَيْنَ الفَتَاةِ وَذَا الفَتَى
وَغَدَا اللّقَا خَطَراً عَظِيمَ الشَّانِ
39.وَبَدَا التَّرَبُّصُ بِاللّقَاءِ كَأَنَّهُ
سُورٌ عَظِيمٌ مُحْكَمُ البُنْيَانِ
40.جَبَلٌ مِنْ الأَشْوَاكِ يَصْنَعُهُ
الأُلِى حَسَدُوا الفَتَى أَوْ كُلُّ نَذْلِ شَانِ
41.فَغَدَا التَرَاسُلُ حِيلَةً مَفْرُوضَةً
وبِهِ تُبَدَّدُ قَسْوَةُ الحِرْمَانِ
42.وغَدَتْ قَصَائِدُهُ التِي تُهْدَى لَهَا
مَاءَ الحَيَاةِ لغُلَّةِ الظَمْآنِ
43.تَحْكِى تَبَارِيحَ الهَوَى فِي عَاَلمٍ
خَالٍ مِنْ الإِحْسَاسِ والإِحْسَانِ
44.وَتَبُثُّ حُزْناً كَامِناً وَكَأَنَّهُ
حِمَمُ الجَحِيمِ وَثَوْرَةُ البُرْكَانِ
* * *
45.لَكِنَّ غَوْلَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُ يَكْفِهِ
مَا صَارَ مِنْ صَرْفٍ ومِنْ حَدَثَانِ
46.كَبُرَتْ فَتَاةُ الأَمْسِ ، حَانَ زَوَاجُهَا
وَبَدَا الصِّرَاعُ يَهُبُّ دُونَ عَنَانِ
47.يَتَنَافَسُ الخُطَّابُ حَوْلَ خِبَاِئهَا
يَتَضَرَّعُونَ إِلَى الأَبِ الغَفْلَانِ
48.هَذَا لَهُ جَاهٌ ، وَهَذَا مُلْكُهُ
قَدْ فَاقَ كُلَّ مَآرِبِ الفِتْيَانِ
49.مَلَؤُوا الأَمَاكِنَ كُلّهَا ، فَكَأَنَّهُ
يَوْمُ الحِسَابِ وَسَاحَةُ المِيزَانِ
50.نَظَرَ الأَبُ الغَفْلَانُ تَحْتَ بِسَاطِهِ
مُتَهَلِّلاً بِالمَالِ والسُّلْطَانِ
51.أَعْمَاهُ جَاهُ المُلْكِ عَنْ فَلَذَاتِهِ
وبَرِيقُ مَالِ القَادِمِ الهَيْمَانِ
52.واغْتَرَّ حِينَ رَأَى التَّضَرُّعَ مِنْهُمُ
واحْتَالَ فِي رَفْضٍ، وفِى إِذْعَانِ
53.يَعِدُ الصَّبَاحَ فَتًى وَيَرْفُضُهُ ضُحًى
والنَّاسُ بَيْنَ مُكَرَّمٍ ومُهَانِ
54.أَمَّا الفَتَى المِسْكِينُ ضَاقَتْ حَالُهُ
وبَدَا يُفكِّرُ فِي الرِّحِيلِ الآنِي
55.لَمَّا رَأَى مِنْ حَالِهِ وَضَيَاعِهِ
وتَشَتُّتِ الأَفْكَارِ والأَذْهَانِ
56.قَدْ هَدَّهُ هَوْلُ المُصِيبَةِ فَجْأَةً
وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ الهَذَيَانِ
57.لا نَوْمَ يَأْتِيهِ فَيَهْدَأُ حَالُهُ
لا خِلَّ يُبْعِدُهُ عَنْ الأَحْزَانِ
58.قَلْبٌ لَهُ يَهْوَى وعَقْلٌ رَاجِحٌ
يَأْبَى المَذَلَّةَ .. كَيْفَ يَتَّفِقَانِ ؟!
* * * *
59.جَاءَتْ إِلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ خُفْيَةً
تَشْكُو لَهُ الأَحْوَالَ وَهْىَ تُعَانِى
60.قَالَتْ لَهُ: أَنَا لَنْ أَكُونَ لِمِثْلِهِمْ
مَهْمَا تَعَاظَمَ شَأْنُ مَنْ يَهْوَانِي
61.أَنَا لَنْ أَكُونَ سُلَيْعَةً تُشْرَى لَهُمْ
ويَنَالُهَا مَنْ زَادَ فِي الأَثْمَانِ
62.أَنَا يَا أَخِي إِنْسَانَةٌ ، لِي مِثْلُكُمْ
قلْبٌ رَقِيقٌ دَائِمُ الخَفَقَانِ
63.فَهَلْ العَوَاطِفُ تُسْتَبَاحُ وتُشْتَرَى
وهل المحبة قلعة ومبان
64.الحُبُّ أنْقَى مِنْ قُصُورِ مُلُوكِهِمْ
والْحُبُّ أَبْقَى مِنْ ثَرَاءٍ فَانِ
65.قُمْ وَامْسَحِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ دَمْعٍ جَرَى
الوَقْتُ وَقْتُ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ
66.الوَقْتُ لا تُجْدِى الدُّمُوعُ وَلَا البُكَا
الوَقْتُ وَقْتُ الفَصْلِ والتِّبْيَانِ
67.فَاصْنَعْ صَنِيعاً يُنْقِذَ الحُبَّ الَّذِى
أَوْدَى بِهِ هَذَا الصَّنِيعُ الجَانِي
68.عَادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ بَعْدَ غِيَابِهَا
وأطلَّ وَجْهُ البِشْرِ لِلْحَزْنَانِ
69.وسَرَى يُحَدِّثُ عَمَّهُ عَنْ حَالِهِ
وَالْحَالُ لا يَحْتَاجُ لِلتِّبْيَانِ
70.لَمْ يَلْقَ مِنْهُ سِوَى احْتِقَارٍ لِلْهَوَى
وثَقِيلِ قَوْلٍ جَارِحٍ كَسِنَانِ
71.أَجُنِنْتَ يَا وَلَدِى، وَكَيْفَ نَرُومُهُمْ
وهُمُ مِنَ النُّبَلَاءِ والأَعْيَانِ ؟!
72.عَنْ أَيِّ حُبٍّ أَنْتَ تَحْكِى يَا فَتًى
هَذَا حَدِيثُ الفُحْشِ والمُجَّانِ
73.كُنْ عَاقِلاً وَاعْرِفْ مَقَامَكَ والْتَزِمْ
ودَعْ السَّفَاهَةَ لِلسَّفِيهِ العَانِي
74.وهُنَاكَ خَلْفَ الْبَابِ زَوْجَةُ عَمِّهِ
كَانَتْ تَشُدُّ الصَّوْتَ لِلآذَانِ
75.قَالَتْ لَهُ: كُنْ لِلْمَتَاعِبِ هَاجِرا
دَعْهَا وَسَلِّ القَلْبَ بالسُّلْوَانِ
76.دَعْهَا فَلَيْسَ الآنَ مِثْلُكَ قَادِراً
المَالُ والسُّلْطَانُ يَنْتَصِرَانِ
77.وابْحَثْ لِنَفْسِكَ عَنْ فَتَاةٍ غَيْرَهَا
فَالكَوْنُ لَمْ يَنْضَبْ مِنْ النِّسْوَانِ
78.فَأَحَسَّ بِالأَصْوَاتِ تَمْلَأُ رَأْسَهُ
وَكَأَنَّهَا مَسٌّ مِن الشَّيْطَانِ
79.وازْدَادَ خَفْقُ القَلْبِ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
فَهَوَى يُعَانِقُ أَسْفَلَ الجُدْرَانِ
80.رَجَعَ الفَتَى يَبْكِى لِسَعْىٍ خَائِبٍ
لَمْ يَجْنِ غَيْرَ مَذَلَّةٍ وهَوَانِ
81.مَنْ كَانَ يَرْجُو عَوْنَهُمْ غَدَرُوا بِهِ
يَا وَيْحَهُمْ ، كَسَرُوا الجَنَاحَ الثَّانِي
82.لَيْسَتْ لَهُ أُمٌّ تَلُمُّ شَتَاتَهُ
وأَبُوهُ مَاتَ وعُمْرُهُ يَوْمَانِ
83.فَرْدُ يَتِيمٌ ، بَلْ وَلَيْسَ لَهُ أَخٌ
لِيُعِينَهُ فِي سَاعَةِ الخُذْلانِ
84.ضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَبَعْدَ رَحَابَةٍ
وَأَحَاطَ لَيْلُ اليَأْسِ كُلَّ مَكَانِ
* * *
85.ذَهَبَ الفَتَى فَرْداً وَحِيداً يَبْتَغِي
عِنْدَ اللِّئَامِ مَكَارِمَ العِرْفَانِ
86.يَسْرِي بِلَيْلِ اليَأْسِ، يَطْلُبُ غَايَةً
بَيْنَ المُحَالِ تَكُونُ فِي الإِمْكَانِ
87.سَأَلُوهُ عَنْ مَالٍ، وَعَنْ حَسَبٍ، وعَنْ
جَاهٍ يَزِينُ الفَرْدَ فِي البُلْدَانِ
88.لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ عِلْمِهِ أَوْ دِينِهِ
فَالجَهْلُ خِلُّ الشِّرْكِ والكُفْرَانِ
89.تَرَكُوهُ يَلْعَقُ مُرَّ حُزْنٍ قَاتِلٍ
ليَعُودَ مَكْسُوراً بلا جُبْرَانِ
90.ليَعُودَ كَالطَّيْرِ الجَرِيحِ مُعَلَّقاً
والريحُ تَخْلَعُ هَامَةَ الأَغْصَانِ
91.وَيَرَى الشَّمَاتَةَ فِي عُيُونٍ لِلأُلِى
يَتَعَطَّشُونَ لِفُرْقَةِ الأَقْرَانِ
92.حَسَدُوهُ أَنْ يَرْضَى الزَّمَانُ لِمِثْلِهِ
بِالْغَادَةِ الحَسْنَاءِ وَالرِّضْوَانِ
93.حَسَدُوهُ وَهْوَ الحُزْنُ يفْطُرُ قَلْبَهُ
وَيَمُوتُ مَوْتَ العَاشِقِ الوَلْهَانِ
94.تَبْكِى الدُّمُوعُ بِهِ فَتَحْرِقُ جَوْفَهُ
والقَلْبُ ذَابَ لِكَثْرَةِ الأَشْجَانِ
95.وَزَوَى الشَّبَابُ وَكَانَ غَضَّاً مُشْرِقاً
وَأَتَى المَشِيبُ لَهُ بِغَيْرِ أَوَانِ
96.لَوْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الجَوَى
هَرِمٌ يَسِيرُ عَلَى عَصاً حَيْرَانِ
97.وَهِىَ الّتِي كَانَ الجَمَالُ قَرينَهَا
وَنَدِيمَهَا كَالوَردِ فِي البُسْتَانِ
98.ذَبُلَتْ وَرَاحَ جَمَالُهَا وبَهَاؤُهَا
وكأنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ بُهْتَانِ
99.مَرَّ الزَّمَانُ وَحَانَ وَقْتُ زِفَافِهَا
فِي يَوْمِ نَحْسٍ وَاضِحِ العُنْوَانِ
- يَوْمٌ كَأَنَّ صَبَاحَهُ كَمَسَائِهِ
لَيْلٌ طَوِيلٌ قَاتِمُ الأَلْوَانٍ
101.حَمَلُوا الفَتَاةَ إِلَى المَصِيرِ يَقُودُهَا
لِلْمَوْتِ كُلُّ الأَهْلِ والجِيرَانِ
102.حُمِلَتْ مَسَاءً لِلجَحِيمِ ، وَدَمْعُهَا
بِالخَدِّ يَحْفُرُ قَبْرَهَا وَيُعَانِى
103.رَقَصُوا عَلَى قَلْبٍ يُمَزِّقُهُ الهَوَى
وتَشُبُّ فِيهِ كَوَامِنُ النِّيرَانِ
104.تَمْشِى وَتَبْكِى نَفْسَها ودُمُوعُهَا
تُبْدِى الَّذِى قَدْ كَانَ فِي الكِتْمَانِ
105.تَبْكِى أَباً مُتَغَافِلاً مُتَغَطْرِساً
بَاعَ القُلُوبَ بِأَبْخَثِ الأَثْمَانِ
* * *
106.سَمِعَ الفَتَى صَوْتَ الطُّبُولِ كَأَنَّهَا
طَبْلُ الحُرُوبِ تَجِيئُ بِالعُدْوَانِ
107.وَرَأَى الفَضَاءَ وَقَدْ تَلَاطَمَ بَعْضُهُ
فِي بَعْضِهِ كَالجَيْشِ فِي المَيْدَانِ
108.وَرَأَى السُّيُوفَ كَأَنَّهَا قَدْ جُهِّزَتْ
لِلْقَتْلِ والتَنْكِيلِ والطُغْيَانِ
109.وَرَأَى ثِيَابَ العُرْسِ حَوْلَ فَتَاتِهِ
وَكَأنَّهَا صُنِعَتْ مِنْ الَأَكْفَانِ
110.وَرَأَى الأَمَانِي كُلَّهَا مَذْبُوحَةً
فِي كَفِّ أَهْلِ البُغْضِ والشَّنَآنِ
111.فَجَثَا عَلَى الأَعْقَابِ يَنْدُبُ حَظَّهُ
حَتَّى غَشَاهُ المَوْتُ بَعْدَ ثَوَانِ
112.مَاتَ الفَتَى المِسْكِينُ، لَمْ يَشْفَعْ لَهُ
طُهْرُ الهَوَى، وَشَهَادَةُ الخِلَّانِ
113.مَاتَ الفَتَى كَمَداً، ومَاتَ بِمَوْتِهِ
قَلْبُ الفَتَاةِ بِفِعْلِ قَلْبٍ جَانِ
114.حَفَرُوا لَهُ قَبْراً يُوَارِى جِسْمَهُ
وَيَضُمُّ قَلْباً مَاتَ بالنُّكْرَانِ
115.قَلْباً قَضَى بِالجَهْلِ فِي أَوْطَانِنَا
حَيْثُ المَظَاهِرُ شِرْعَةُ الأَوْطَانِ
116.وَإِذَا بِهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ يُصِيبُهُمْ
خَبَرُ الفَتَاةِ قَضَتْ مِنْ الأَحْزَانِ
117.لِيَكُونَ فِي مَوْتِ الفَتَاةِ مُصِيبَةٌ
لِمَنْ افْتَرَى وتَتِمَّةُ الخُسْرَانِ
118.حَفَرُوا لَها قَبْرا يُجَاوِرُ قَبْرَهُ
وَبَكَوا بُكَاءَ الجَائِرِ النَّدْمانِ
119.كَتَبُوا عَلَى قَبْريْهِمَا عِظَةً لَنَا
تُلْقَى عَلَى سَمْعِ الوَرَى بِبَيَانِ
120.هَذَا جَنَاهُ أَبٌ ونَالَ جَزَاءَهُ
وَكَذَاكَ مَنْ يَجْنِى عَلَى الإِنْسَانِ
121.تَباً لَها الأَمْوَالُ أَفْسَدَت الّذِى
قَدْ شَيَّدَاهُ مِنْ الخَيَالِ الفَانِي
122.بَنَيَا قُصُوراً مِنْ خَيَالٍ زَائِفٍ
هُدِمَتْ أَمَامَ السَّيْلِ والطَوْفَانِ
123.لَمْ يَبْق مِنْهَا غَيْرَ رَسْمٍ دَارِسٍ
طَلَلٍ يُعِيدُ مَرَارَةَ الَأزْمَانِ