شاركت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية اليوم بافتتاح الملتقى الوطني الأول بشأن مستقبل العمل في مصر والذي تنظمه الوكالة الألمانية للتنمية بحضور مجموعة من الخبراء في مجالات الاقتصاد والسياسات وأساتذة الجامعات وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأوضحت د.هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في كلمتها التي ألقتها عنها د.حنان نظير مستشار المجلس القومي للأجور بوزارة التخطيط أن سوق العمل تحظى باهتمام خاص في ضوء التغيّرات العالمية في مقدمتها التقدُّم التكنولوجي الذي يشهده العالم والذي يُطلق عليه مصطلح الثورة الصناعية الرابعة، متابعه أنها تتميٍّز بالابتكار المتسارع وتبنّي تقنيات متطورة، حيث تُعد مزيجًا من التقدُّم في مجالات الذكاء الاصطناعي، والمنصّات الرقمية، والروبوتات، وإنترنت الأشياء ، والهندسة الوراثية، وغيرها من التقنيات التي تُشكِّل العديد من المنتجات والخدمات التي أصبحت لا غِنى في الوقت الحالي والمستقبل.
وتابعت السعيد أن الاهتمام بسوق العمل ومستقبلها يتزايد في ظل انتشار جائحة كوفيد-19، حيث سعت الحكومات لمواجهة هذا الوباء من خلال اتخاذ تدابير احترازية مشدّدة، موضحة ان الأزمة نَتَج عنها تداعيات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، حيث تأثرت سلاسل التوريد والإمداد العالمية، وتوقف نشاط التصنيع، وتراجع مستويات الأجور، وارتفع معدل البطالة العالمي خلال الجائحة من 5.4٪ في 2019 ليصل إلى 6.6٪ في 2020، حيث انضم نحو 38 مليون شخص للمتعطلين نتيجة فقدان الوظائف، مشيرة إلى إحصائيات منظمة العمل الدولية بأن الخسائر في ساعات العمل نتيجة انتشار الجائحة مَثّلت أربع أضعاف الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية العالمية في 2008.
وأضافت السعيد أن تلك التطورات تُعد تغيّرات جوهرية في أنماط العمل والتشغيل، سيتبعها بلا شك اختفاء العديد من الوظائف الشائعة وظهور وظائف جديدة كالتي تتعلق بالبيانات الضخمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي والصحة الشخصية.
وأكدت السعيد أن التغيّرات التي يشهدها العالم على مستوى سوق العمل جعلت الحكومات تَضَع هذه القضية في مقدمة أولوياتها، وذلك لمواكبة التطورات المتسارعة وتعظيم الاستفادة من الموارد البشرية للدول، مشيرة إلى انعكاس اهتمام الدولة المصرية بسوق العمل في رؤيتها التنموية “رؤية مصر ٢٠٣٠”، التي تقوم على مبدأ الاستثمار في العنصر البشري، وتبنّي نُظّم تعليمية مُحفزة للمعرفة والابتكار، موضحة سعي مصر للاستفادة من منحتها الديمغرافية بتمثيل الشباب حوالي 35% من القوى العاملة بها والتي تمثل أحد أهم نقاط قوة الاقتصاد المصري، وذلك من خلال بناء قدراتهم وتوجيّه الإمكانات الكامنة فيهم لتتلاءم مع متطلبات العصر من وظائف ومهارات.
وأكدت السعيد أن الدولة تعمل على تطوير نظام التعليم والتدريب لإعداد وتجهيز الطلاب الحاليين الذين يمثلون القوي العاملة المحتملة، وكذلك إعادة تأهيل من هم في القوي العاملة الحالية ووضع الأسس الرقمية للتنمية الاقتصادية طويلة الأجل، موضحه أن التعليم بشكلٍ عام والتعليم الفني بشكلٍ خاص يمثلا الركيزة الأساسية لإعداد القوى البشرية المؤهّلة وتوفير العمالة الماهرة التي تُلبي احتياجات سوق العمل.
وأشارت السعيد إلى تبنى الدولة المصرية برنامجًا طموحًا للإصلاحات الهيكلية، متابعه أنه إيمانًا بأن جذب الاستثمار يُعد مُحددًا أساسيًا لتوفير فرص عمل لائقة، فإن البرنامج يتضمن محورًا رئيسيًا يهدُف إلى رفع كفاءة ومرونة سوق العمل وتطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني، فضلًا عن تفعيل دور القطاع الخاص وتحقيق التوافق بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل ودعم تمكين المرأة والشباب وذوي القدرات الخاصة.
كما تطرقت السعيد إلى توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ومشروع قوى عاملة مصر لإنشاء منصة لمجالس المهارات القطاعية لتُمثل مظلّة لمجالس المهارات القطاعية كافة في مصر، التي تهدف إلى تحسين الربط بين جانبي العرض والطلب، وكذلك المساهمة في ضمان جودة الخدمات التعليمية والتدريبية المقدمة لتأهيل الكوادر اللازمة للمشاركة بفاعلية في جهود وتنفيذ مشروعات التنموية، بالإضافة إلى تطوير منظومة فعّالة لحوكمة تلك المجالس تضمن الاستدامة المالية والفنية لها على المدي الطويل.
وفي ضوء الاهتمام بالتعليم الفني والتدريب المهني ضِمن برنامج الإصلاحات الهيكلية أكدت اسعيد قيام الدولة بالتوسع في إنشاء المدارس والجامعات التكنولوجية، موضحة زيادة عدد مدارس التكنولوجيا التطبيقيّة من 11 مدرسة إلى 16 مدرسة بجميع محافظات الجمهورية، وإنشاء وتشغيل ثلاث جامعات تكنولوجية في القاهرة الجديدة، الدلتا بقويسنا، بني سويف، متابعه أن خطة العام الجاري21/2022 تستهدف إنشاء 6 جامعات تكنولوجية جديدة (مدينة السلام بشرق بورسعيد/ 6 أكتوبر/ برج العرب/ أسيوط الجديدة/ سمنود بالغربية/ طيبة بالأقصر الجديدة) بتكلفة تقدر بنحو 3 مليار جنيه.
وأكدت السعيد في كلمتها التي ألقتها د.حنان نظير عزم الحكومة إنشاء منظومة قومية لمعلومات سوق العمل LMIS، والتي تعتبر وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية هي المسئولة عنها بالتنسيق مع الجهات الأخرى المعنيّة، وذلك بهدف إنشاء منظومة بيانات موحّدة تضم كل المعلومات عن حجم وتكوين سوق العمل ومشاكله، ليتم تحديثها بصفة دورية ومستمرة لمعالجة مشكلات البطالة والفقر ومواكبة التغيّرات الحديثة في أنماط التوظيف من جرّاء التطوّر التكنولوجي والتحوّل الرقمي وتأثيره على متطلبات سوق العمل.
وأوضحت د.هالة السعيد خلال كلمتها أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يُعد أكبر مصدر للتوظيف وفقًا لمنظمة العمل الدولية، حيث يُشكِّل أكثر من ٩٠٪ من إجمالي الشركات القائمة، ويوظف حوالي ٧٠٪ من العاملين، كما يتميّز هذا القطاع بتحقيق قيمة مُضافة عالية ويُساهم في تحقيق التنمية المكانية، مؤكده أن تشجيع روّاد الأعمال من خلال دعم مشروعاتهم الصغيرة يُمثل وسيلة رئيسية للنهوض بمستويات التشغيل وخلق فرص عمل لائقة بما يُعزّز عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، موضحة أن ريادة الأعمال تمثل إحدى أهم المهارات المطلوبة في المستقبل مما يشمله ذلك من مهارات تقَنية واجتماعية، مضيفه أن الاهتمام بدور ريادة الأعمال والابتكار فى الاقتصاد والتنمية شهد زيادة مع التطوّر التكنولوجى والتحول الرقمي.
وفي السياق ذاته أشارت السعيد إلى حرص الحكومة المصرية على دعم ريادة الأعمال من خلال عِدّة محاور، أهمها دعم وتأسيس حاضنات الأعمال للشركات الناشئة الواعدة التي تقدم أفكارًا جديدة في سوق العمل، وإطلاق عِدّة مبادرات لبناء قدرات الشباب، مثل مشروع “روّاد ٢٠٣٠” وحملة المليون ريادي وذلك بهدف نشر ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحرّ بين الشباب خاصةً طلاب المدارس والجامعات، بالإضافة إلى تدريب وتأهيل الشباب المصري علي الوظائف الأكثر طلبًا في هذا المجال، إلى جانب إيجاد آليات حديثة لتمويل المشروعات الناشئة التي تحتوي على أفكار إبداعية وابتكارية.
وفي ختام كلمتها أكدت السعيد أن قضية سوق العمل ومستقبله تظل دائمًا في القلب من توجّهات الدولة المصرية وخططها التنموية، مشيرة إلى إيمان الدولة بأن الانسان هو غاية التنمية وسبيلها، متابعه أن الاهتمام بسوق العمل والسعي لتطويره، هو النهج الأمثل لبناء جيل مُتفتح الآفاق، مُتعدّد المهارات، وقادر على النجاح والازدهار في مستقبل يصنعه بإراداته الحرة وطموحه اللامحدود.