كتب – مجدي عاطف الشهيبي
«وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ
كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي»
بهذه الكلمات الخالدة لأمير الشعراء أحمد شوقي نستهل الحديث عن أحد أعظم إنجازات العصر الحديث، وأضخم مشروع ثقافي وحضاري في القرن الحادي والعشرين: المتحف المصري الكبير، الذي يقف شامخًا على هضبة الجيزة، في مواجهة الأهرامات، شاهدًا جديدًا على عبقرية المصريين التي لا تنضب.
يُعد المتحف المصري الكبير درة التاج في منظومة الآثار المصرية، وأضخم متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة. تمتد مساحته على أكثر من نصف مليون متر مربع، ويضم ما يزيد عن مئة ألف قطعة أثرية توثق مسيرة التاريخ المصري منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني.
ومن أبرز مقتنياته مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة، التي تُعرض لأول مرة في تاريخها في مكان واحد، بما تحمله من سحرٍ وغموضٍ طالما أسر خيال العالم.
ويمثل هذا الصرح المعماري المهيب نموذجًا فريدًا للتكامل بين الأصالة والحداثة، حيث يجمع تصميمه بين روح المعابد المصرية القديمة وتقنيات العرض المتحفية الحديثة، بما يجعل من زيارة المتحف تجربة ثقافية بصرية فريدة.
كما أن المشروع يعكس رؤية الدولة المصرية الجديدة بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تؤمن بأن الثقافة والهوية هما ركيزتان أساسيتان لبناء الجمهورية الجديدة. فالمتحف ليس مجرد مشروع أثري، بل هو رسالة للعالم تؤكد أن مصر ما زالت تبهر وتبدع، كما كانت منذ آلاف السنين.
ويقف المصريون اليوم أمام المتحف المصري الكبير بفخرٍ واعتزاز، وهم يرون أحفاد بناة الأهرام يجددون عهد الأجداد في صناعة المجد والتاريخ. فكما قال شوقي: «كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي» — لأن حضارة مصر هي التي تتحدث عن نفسها، وتكتب بإنجازاتها الحاضرة فصلًا جديدًا في سجل الخلود.
البعد السياحي والاقتصادي للمتحف
لا تتوقف أهمية المتحف عند قيمته التاريخية والثقافية، بل تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية وسياحية بالغة الأثر. فالمتحف المصري الكبير يُتوقع أن يصبح من أهم المقاصد السياحية في العالم، بما يسهم في تعزيز مكانة مصر كوجهة ثقافية عالمية، ويدعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة تدفقات السياحة الثقافية والاستثمارات المرتبطة بها.
كما يفتح المشروع آفاقًا جديدة أمام الصناعات الإبداعية والحرفية المصرية، ويعزز من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاعات السياحة والخدمات، ليؤكد أن الاستثمار في التاريخ هو في الوقت نفسه استثمار في المستقبل.
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري، بل هو رسالة أمل وفخر وخلود، تؤكد أن مصر — مهد الحضارات — لا تزال قادرة على أن تبهر العالم، وتكتب بجهود أبنائها الحاضر والمستقبل كما كتبت الماضي المجيد.
