بقلم هند بومديان
hindaboumedian@gmail.com
-وداعاً لكل هذا الجمال و الجلال و الدلال!!
-وداعا لهذا المكان قلتها هذا الصباح ، و أنا التي لا ترهقني رحلة صوفية على أجنحة الرؤى ، لتأخذني في أروقة الوحي مرارا ، لا يعتريني خوفٌ أو رهبة من جهارة صوت ، ينتظر وهج أمل يداوي جراحه الغزيرة فيستكين بين أوتار القدر، استرقت النظر خلسة لنغمات الوقت لأعود و أغفو في سكون ظلي ، أهمس في أذن الريح بهمسات مزدوجة انفرادية ، شعائرها خيال و أوهام و سراب يخبرني أن انطلقي عسى هذه الروح ترتوي ، إن أرخى الليل جفونه ، لأتسابق مع طيّات الدهر كوترٌ تنهزم العتمات على كفيه ، بين الصمت و هسيس الصوت.
فعلا قلتها و غفوت في غمرة سكوني ، ثم هببت مسرعة أخبئ في جيبي وعودي ، و أوزع صهيل الشوق على العتبات ، أحمل في كفي رماد عنادي ، و بعض من ظلال روحي ، و أزرع حروفي في الطرقات عساها تسارع عقارب الدهر ، لا شيء فعلا يرغمني على ابتلاع كل هذا الهم إلا رحمة خالق الأكوان الذي يبعث في روحي النقاء، لأراني كمرآة تعكس الفجر على جدائل العمر .
قلت في نفسي ، سأعيد ترتيب أوراقي لقارئة أفكاري و جنوني ، و أراسل قدري عن طريق رواية أو أنغام شعرية ، أشرب و إياه بن الحنين و قد عاجت بنا الذكرى لأيام ، ف يسطر كلانا على صفحات الحياة جرح غدر ، تعثرت ابتسامته بين أوتار القدر.
هاهي ترتعش حروفي ، لترتطم دماء الجرح بسهام حرف قد استعر على صفحتي ، علها ترتوي سطور الألم فتتحول صمتا تاما للنهاية ، تبا سأرتدي رداء الوحدة من جديد ، لا أريدها أن تغفو بخاطري ، و تعزف على سيمفونية الجرح ضجيج تعبي.
فيا له من ألم ينمو تحت سنابكه همس ، ينثر نبض الحلم في أفئدة الشموع ، تقاتلني صبابتي و يسحرني هواها ، و أكره العيون التي تسمى وليدة الظلام ، تلك التي لا يروق لها أن ترى محاسن مرآتي في كف الضياع ساعة و ساعات .
ثم ينبثق شعاع في داخلي ، لتبوح لي الستارة أن ما وراءها مشكاة حدث ساحر ، يخطفني و يأسر فكري ، فتنطلق كلماتي من حيث لآلى الروح تلمع ، و ما عدت أفرق بيني و بيني ، غير أن رؤاي تتوه كلما أسرى دبيب بوحي في أعصاب حرفي ، لأكتبني من حيث لا أهرب ، و لا أمل على خط الخوف ، فيكاد يجرفني ضياعي لأتساقط سهوا على قارعة الصمت.
أرتب حروفي بين زوايا الحديث ، حتى و إن تاهت الخطى في كل الدرب ، و أسقيها صفوا ينقيها من كدر الحزن ، عساها تنسكب بين خطوات الشمس.
- فيا ذنوبي و طهري
- يا أعذب قصة تاهت في تفاصيلي ، و استقرت في صدري ، و جعلت اللئيم يتسربل في القلب برداء الحب.
خبري تلك الروح الشفيفة التي تسكنني ، أن تسوقني في سراديب الذكريات ، كشعاع أتى صباحا و ما بعده ، ليحتل برهة من زمني ، في حزن قصيدة منفية بتاريخي. - عدت من جديد لأجلك فقط!!
أهدهد الحروف الحيارى ، و أمتطي مركبا يحملني بعيدا عن غبارها ، علني أرتق الذاكرة و أرتل نشيد النصر ، فصبري خمرةٌ عتقتها السنون. - سألني:
- عَلامَ يُثقل الصمت كاهلك و لا شيء يجدي؟؟
-أم تُراها الحروف اعتادت خيانتك من جديد ، ربما لم تتغيري أو هي التي لم تتغير لكن النبض غير مجراها ليشق جدار الصمت ، ب أصابع الضوء التي طالما زرعنا في تربتها بذور الألفة ، فتزهر على شرفاتنا غربة ينداح فيها بوحي ، و يردد صدى صوتي متقطعا أوتاره .
- تبا كم تحزننا أنفسنا…!!
- و تبا كم هو أصم هذا النبض….!!
تعبت و أنا أبحث فيه عن نافذة أسد منها مسامات نبراتي ، ف ترتجف ملامحي كوابل صقيع يعزف لحن الغياب ليدثر مسامعي ، و ما عاد شيء يجدي في أوردتي ، كل اللغات تناثرت و الصمت يبني أعشاشه بدواخلي.
يؤسفني فعلا قول وداعا …!!
فيمامة النبض أضنتها بعثرة السبل ، لكنها رغم الرحيل ستصل إليك على جناحيها ، تحمل ملامح صبري و عبير أمنيات لها أذان تسمع اغتيابي ، ترتب الحروف على مقاسي ، و تهدئ عواصف الفتنة بمؤرقي ، فيا ليت السكون يولد في مهد الذاكرة ، لألتقي بتلك المتمردة بين أروقة الحظ ،اظفر خصلات نبضها الخريفي ، و في كفها أخبئ ألمي و مفتاح حلم خرافي .